أنت هنا

قراءة كتاب أرتور رامبو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أرتور رامبو

أرتور رامبو

كتاب " أرتور رامبو " ، تأليف سامي مهدي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

تقديم

الشاعر الفرنسي آرتور رامبو : مالئ الدنيا وشاغل الناس في الشعر الحديث . وقد كنت في شبابي أحد المعجبين المأخوذين به ، فرحت أدرس شعره دراسة متأنية متمعنة ، وأتعقب كل ما يمكنني الوصول إليه مما يكتب عنه وأقرؤه باهتمام ، حتى أصبحت لدي مكتبة رامبوية صغيرة أعتد بها . ولكنني وجدت ، بعد حين ، أنني قد أعجبت بأسطورة أكثر مما عرفت حقيقة ، واكتشفت أن الفارق بين حقيقة رامبو و أسطورة رامبو كبير شاسع ، لا يسوغ كل ذلك الإعجاب ، ولا يقيمه على أساس موضوعي ، ولمست أنني كنت ضحية تضليل متواتر ، ربما لم أكن أنا وحدي من ضحاياه .

ولهذا عكفت على دراسته ثانية بوعي جديد ، وفي ضوء ما تجمع لدي من ملاحظات وتساؤلات وشكوك ، فعدت أبحث في تفاصيل سيرته ورسائله وتفوهاته النظرية وأعماله الشعرية الكاملة ، وما تيسر لي من مؤلفات ودراسات كتبت عنه وعن شعره باللغات الفرنسية والإنكليزية والعربية ، وهو ليس بالقليل في ما أزعم ، فلم أجد إلا ما يؤكد أن رامبو الذي نعرفه ليس سوى أسطورة تضافر على نسجها مؤرخوه وشرّاحه ومفسّروه ، ووشّاها الدارسون المتعجلون والمعجبون المأخوذون . أما حقيقة رامبو فهي شيء آخر طغى عليه نسيج الأسطورة حتى غطاه وأخفاه وحلَّ محله .

ولست أزعم هنا أنني أول من توصل إلى هذا الاكتشاف . فثمة دارسون فرنسيون توصلوا إليه منذ زمن طويل ، لعل أهمهم رُنيه إتيامبل صاحب كتاب : أسطورة رامبو الصادر عام 1952 . فهو يرى ( أن رامبو هو اليوم أسطورة رامبو ) وكتب كتابه على هذا الأساس . ذلك أن أسطورة رامبو غطت على جميع ما ورد حولها من تساؤلات وشكوك ، فظلت تحجب الحقيقة تحت نسيجها الكثيف كما تحجب الشرنقةُ اليرقةَ التي في داخلها ، حتى لم نعد نجد ما يميز بين الحقيقة والأسطورة سوى اعترافات خجلى مواربة وإشارات عابرة مترددة ، من قبيل الاعتراف الذي جاء في كتاب سوزان برنار المعروف ( قصيدة النثر منذ بودلير حتى أيامنا ) . فقد أكدت برنار في إشارة عابرة وجود الأسطورة التي تحدث عنها إتيامبل ، ولكنها اختزلت ردها على كل التساؤلات والشكوك بالقول ( إن ما هو محقق ، إلى جانب وجود الأسطورة ، هو الاتجاه الجديد الذي اختطه هذا الطفل ذو السبعة عشر عاماً ، وكذلك جمال اللغة التي ابتكرها وأهميتها ) .

ولكن أكان رامبو مبتكر ذلك الاتجاه الجديد وتلك اللغة الجميلة ، كما تقول برنار ؟!

جواب هذا السؤال سيبقى معلقاً هنا حتى يأتي في مكانه المناسب من هذا الكتاب .

أما الدارسون العرب فقد وقعوا ضحية الأسطورة التي نسجها المؤرخون والمفسرون الفرنسيون كما وقعت أول مرة ، وأولهم أنطون غطاس كرم في كتابه (الرمزية والأدب العربي الحديث ) ، وثانيهم صدقي إسماعيل في كتابه ( رامبو _ قصة شاعر متشرد ) ، وثالثهم سمير الحاج شاهين في كتابه ( رامبو ) . ولم ألحظ من هؤلاء الدارسين من انتبه إلى هذه الأسطورة سوى الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه ( ثورة الشعر الحديث ) والشاعر خليل خوري في كتابه (رامبو : حياته وشعره ) .

قال الدكتور مكاوي ( ويغالي البعض فيصفه ( رامبو ) بأنه أعظم الشعراء ، ويحط البعض الآخر منه فيجعل منه مراهقاً شاذاً نسجت حول حياته وشعره الأساطير . ولا شك أن الدراسة المنصفة تستطيع أن تتجنب التطرف من كلا الجانبين ، ولكنها لا تملك أن تقف موقف الحياد من المبالغات التي وقع فيها الفريقان ، ولابد أن تفسرها بأنها نتيجة ضرورية للتأثير القوي الذي انبعث من شعر رامبو ) .

غير أنني رأيت أن الدكتور مكاوي وقع هو نفسه في شراك الأسطورة ، فغالى في رامبو وتطرّف ، ولم يعرف إلى الموضوعية سبيلاً شأنه في ذلك شأن غيره . فهو لم يحاول أن يبذل أي جهد في البحث عن الحقيقة والتأكد من صحة الأحكام التي يطلقها على رامبو وشعره ، بل قطع الطريق على كل التساؤلات والشكوك التي يثيرها غيره ، وجهد في تكريس الأسطورة وطمس الحقيقة أراد ذلك أم يرد .

أما الشاعر خليل خوري فقال في هذه المسألة ( لقد كان رامبو ، وما يزال ، معدوداً بين أكبر الأسماء في الأدب الفرنسي ، إلا أنه كثيراً ما جرى تقييم رامبو وتقديره في غير الأوقات المناسبة، أو اللازمة، وغالباً ما غالى مؤرخو حياته في تقريظه ، وبشكل مهووس ، إلى حد يحدو ببعض الناس إلى أن يتساءلوا كرد فعل على هذا الغلو ، عما إذا كان إعجابنا به مبرراً . وليس رامبو في نظرهم غير فتى ذي ذهن حاد مضطرب ، وذي تعبير أخرق على الغالب ، يكتشف ، بعد أن تكون أزمات فترة البلوغ قد انقضت بالنسبة إليه ، يكتشف أنه ليس لديه ما يقوله ، فيصمت ) .

غير أن خوري يعلق على ذلك فيقول ( إن ذلك ظلم كبير للرجل ، لأن ما يشكل الطابع الخاص برامبو هو إرادة الخلق التي نلاحظها لديه ، وهو استحالة انغلاقه في صيغه ، وفي نغمه ، وفي أسلوبه ، ونعرف أن ذلك هو امتياز العبقرية ) . ونحن نرى أن جواباً مقتضباً وحاسماً كهذا الجواب لا يكفي للرد على التساؤلات وتبديد الشكوك المثارة حول أسطورة رامبو ، ومنها التساؤلات الكثيرة التي يثيرها خليل خوري نفسه في مقدمة كتابه . وما دامت ثمة حقيقة وثمة أسطورة فلابد لنا إذن من بحث متأن يميز بينهما ، ولا غناء لنا عن مثل هذا البحث .

لقد شرعت في تأليف هذا الكتاب وأنجزته منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي ، وكانت به حاجة إلى مراجعة سريعة ، وإضافة بعض ما جدّ في الموضوع ، وكتابة الخاتمة ، غير أنني لم أفعل ذلك إلا منذ مدة وجيزة من أيامنا هذه لأسباب وظروف خاصة . وقبل أن أشرع في تأليفه قررت أن أهمل كل فرضية سابقة من فرضياتي ، وأدع كل شكوكي جانباً وأبدأ من الصفر ، وكأنني لم أقرأ سيرة رامبو وشعره من قبل . ذلك أن دافعي لم يكن البحث عما يسوغ هذه الشكوك ويبرهن صحة الفرضيات ، بل اكتشاف الحقيقة كما هي ، أو قل إعادة اكتشافها إن شئت . وبهذا الدافع وحده عدت إلى المراجع أقرؤها مرة أخرى وأدون ملاحظاتي حولها ، فكنت أقرأ فاحصاً مدققاً، وكانت حاستي النقدية يقظة دائماً ، فلم أكن أقبل شيئاً مما أقرأ إلا بعد تمحيص ومحاكمة. وإذ بي أخرج من كل ذلك بالنتيجة نفسها ، وهي أن رامبو الحقيقة هو غير رامبو الأسطورة وأن الفجوة بين الحقيقة والأسطورة جد واسعة . وكانت هذه النتيجة تتعزز وتتبلور كلما أوغلت في القراءة والتمحيص والنقد ، وعندئذ لم أتردد في اتخاذها فرضية أبدأ منها وأحاول البرهنة على صحتها في هذا الكتاب . فهي بعد هذا كله ليست فرضية مسبقة وليدة انطباع سريع أو متسرع ، بل نتيجة بحث وتمحيص .

وأرجو ألا يذهب الظن بأحد أن كتابي هذا محاولة للانتقاص من عبقرية رامبو الشعرية، كما قد يزعم غلاة المعجبين به ، بل هو مراجعة نقدية غايتها فك الاشتباك بين حقيقة رامبو وأسطورته ، أي فصل الحقيقة عن الأسطورة ، لكي يكون إعجابنا بهذا الشاعر مبنياً على أساس موضوعي لا تداخله الأوهام . فرامبو في نهاية الأمر شاعر يمكن أن يدرس وينقد مثل غيره من الشعراء ، وليس معبوداً مقدساً يتسامى على الدرس والنقد .

وفي الختام أسجل شكري لجميع من ساعدني في الحصول على بعض المراجع والمصادر التي لم تكن متوفرة لدي ، وفي مقدمتهم أصدقائي : الشاعر الراحل خليل خوري الذي زودني بأربعة من المصادر الفرنسية النادرة في يومنا هذا وأهدى لي بعضها ، والأديب الشاعر حكمت الحاج ، والأديب المترجم كامل عويد العامري اللذان أهديا لي مصادر فرنسية وإنكليزية مهمة ونادرة هي الأخرى . وآمل في الأخير أن أكون قد قدمت للقارئ العربي شيئاً مفيداً .

الصفحات