أنت هنا

قراءة كتاب أرتور رامبو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أرتور رامبو

أرتور رامبو

كتاب " أرتور رامبو " ، تأليف سامي مهدي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

ولو افترضنا جدلاً ، كما فعل رنيه إتيامبل ، أن رامبو قام برحلة أخرى بقصد الالتحاق بثوار الكومونة ، فإنها لا يمكن أن تكون قد حدثت قبل 19 مايس 1871 في الأقل . ذلك أن رسالته إلى إيزامبار المؤرخة في 13 مايس 1871 تدل على أنه كان ما يزال في شارلفيل . وتدل رسالته إلى ديميني المؤرخة في 15 مايس 1871 ، وهي إحدى رسالتي الرائي ، على أنه كان ما يزال في شارلفيل ليومين آخرين في الأقل . بل أن هذه الرسالة تجعلنا نجزم بأنه لم يكن في وسعه مغادرة شارلفيل قبل 19 مايس 1871 . فهو قد طلب من ديميني أن يسرع في الإجابة على رسالته ، وأخبره أنه سيغادر شارلفيل خلال ثمانية أيام اعتباراً من تاريخها . وهو ما كان سيطلب هذا الطلب لو لم يكن قد قرر البقاء في شارلفيل أربعة أيام أخرى في الأقل .

وإذا افترضنا الآن أن رامبو غادر شارلفيل في 19 مايس فعلاً ، وأنه رحل إلى باريس سيراً على الأقدام أوتعلقاً بالعربات كما يزعم المؤرخون ، فإنه ما كان سيصلها قبل 25 مايس 1871 أو قبل ذلك بيوم أو يومين ، كما يقول إتيامبل . أما إذا كان قد ذهب إليها بالقطار فإنه ما كان سيصلها قبل يوم 21 مايس . هذا في حين استطاع جنود الإمبراطور استعادة ثكنة بابلون من الثوار في هذا اليوم نفسه ، أي 21 مايس . فكيف تسنى لرامبو إذن أن يشهد أحداث ( الأسبوع الدامي ) ومآسيه ؟!

لقد أثبت إتيامبل بحجج منطقية قوية وأدلة حاسمة أن كلاً من فرلين ودولاهيه كانا مخطئين لأنهما نقلا ما حدثهما به رامبو نفسه . أما بريشون فهو يتحدث بما لا يعلم ، وقد ثبت في ما بعد أنه ليس أهلاً للثقة . ويوضح إتيامبل أن الثناء الذي حظي به رامبو بعيد وفاته عام 1891 دفع أحد الأشخاص المجهولين إلى الاستنكار والسخرية ، فكتب بتوقيع ( ل. م. ) واصفاً رامبو بالكوموني الحافي الذي لم يكن كفؤاً لشيء سوى إطلاق الأربع مائة إطلاقة . وقد جاءت هذه الكلمات في مقالة أخذتها صحيفة محلية ( أردينية ) عن مقالة نشرت في صحيفة باريسية . وبعد عدة أيام ظهرت في الصحيفة المحلية مقالة كتبتها إيزابيل رامبو دفاعاً عن أخيها ، وجاء في مقالها ( إنني لا أعرف أين استطاع كاتب المقالة أن يجد حكاية الكومونة ( .. و .. ) كل هذا النسيج الشنيع من الأقاويل الشائنة ) . غير أن صورة الكوموني ، كما يقول إتيامبل ، كانت أكثر توافقاً بكثير مع ما هو معروف عن (الولد الفاسد) فلصقت به ، وإلا فمن كان سيتذكر أن رامبو كان قبل ذلك بعشرين عاماً ( مايس 1871 ) يتسكع في طرقات شارلفيل ؟

يقول إتيامبل ( إن إيزابيل لم تقنع يومئذ أحداً سوى نفسها ) . وعبثاً حاولت بعدئذ إقناع بريشون الذي راقت له اللعبة فاستغلها . فبتاريخ 21 آب 1896 كتبت إليه تقول ( المشاركة في الكومونة ؟ هذا مستحيل ، وإلا لكنت عرفت هذا وتذكرته . ربما كان رامبو قد فاخر بذلك من باب التبجح . فيومئذ كان الكومونيون ملاحقين أو موقوفين أو محكومين . أما هو فقد نجا من أية ملاحقة ) . غير أن بريشون رد عليها بعد عدة أيام ( 29 آب 1896 ) بأنه حصل على معلوماته من ( مصادر متعددة ) و ( تحديداً من بعض رفاق السلاح .. من كوموني شرس ) . ثم ختم الرد بتهدئة مواربة ، فزعم أن رامبو شارك في الكومونة ( مشاركة بسيطة ، هذا صحيح )!

ولكن بريشون الذي ادعى على رامبو هذه ( المشاركة البسيطة ) لم يتورع عام 1897 عن إلقاء محاضرة عن رامبو بوصفه ( رامياً ) من رماة جيش الثورة ! ويبدو أن إيزابيل ، التي تزوجت من بريشون في ما بعد ، قد استمرأت اللعبة هي الأخرى ، فسكتت ، ولم تعد تجادل زوجها فيها لأسباب مفهومة . وهكذا أصبح من حق دولاهيه، وهو صديق رامبو الحميم أن يشارك في اللعبة ، فادعى عام 1905 أن جيش الكومونة عدَّ رامبو أحد المقاتلين المسجلين في صفوفه ( لأن رامبو لم يكن رجلاً يكتفي بالنظريات ) حسب قوله .

هكذا لفقت الحكاية ، وهكذا نسجت : أسطورة رامبو الكوموني .

تؤيد ستاركي ما ذهب إليه إتيامبل في أدلته وحججه ، ثم تتساءل بحق عما إذا كان ممن الممكن لهذا الفتى الذي قرر الالتحاق بصفوف الثوار ( في 13 مايس 1871 ) أن يفكر بقضايا نظرية مجردة حول الشعر كالتي جاءت في رسالته إلى ديميني ( في 15 مايس ) بدلاً من التفكير بالكومونة وثوارها وتنفيذ قرار التحاقه بهم .

إذن كل الوقائع والأدلة والقرائن يثبت أن رامبو لم يشارك في الكومونة ، ولم يشهد أحداثها ، وكان مجرد متعاطف متحمس لها . وربما كان كل ما ذكره لفرلين أو دولاهيه أو إيزامبار بشأن التحاقه بها نوعاً من التفاخر والتبجح ، كما قالت إيزابيل أخته التي تعيش معه في بيت واحد . ولكن على الرغم من ذلك دخلت الحكاية في نسيج أسطورة رامبو ، وظل اليساريون متشبثين بالادعاءات التي تجعل من رامبو مناضلاً ثورياً ، لا مجرد فتى ذي مشاعر وطنية ، وظلوا يرددون مقاطع من قصيدة (الخلاعة الباريسية ) في احتفالاتهم ومظاهراتهم ، ويتهمون كل من يسفه حكاية مشاركته في معارك الكومونة بأنه ( برجوازي عفن ) أو ( خادم للبرجوازية ) .

الصفحات