أنت هنا

قراءة كتاب أرتور رامبو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أرتور رامبو

أرتور رامبو

كتاب " أرتور رامبو " ، تأليف سامي مهدي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

رامبو والمدرسة

حين يتحدث مؤرخو رامبو عن حقبة تعليمه ، فإنهم يلحون على مسألتين متناقضتين : ذكائه وشغبه ، ويتخذون منهما مادة أخرى لبناء أسطورته .

أما ذكاء رامبو فحقيقة ثابتة تؤيدها الوقائع والأدلة ، وهو ذكاء غير عادي ، من دون ريب . ولكن المؤرخين يأبون إلا أن يضفوا عليه طابعاً أسطورياً ، ويصطنعوا له أكثر من حكاية ، ومن ذلك مثلاً ما يروى عن قدرته على نظم الشعر باللغة اللاتينية .

وموجز الحكاية أن معلم اللغة اللاتينية أمر تلاميذه ، في معرض تمرينهم على نظم الشعر بهذه اللغة ، بأن ينظم كل منهم مقطوعة من عدة أبيات في موضوع موحد . وقد استغل رامبو ( عدة ثوان ) أدار خلالها المعلم ظهره لتلاميذه وانصرف إلى اللوح ، فكتب لنفسه ، ولبعض زملائه ، ما كلفوا بكتابته من مقطوعات ثم وزعها عليهم ، وكأنها لهم من دون أن يشعر به المعلم . ولنتصور بعد ذلك مدى الإعجاز في هذه الحكاية . لنتصور كيف يمكن لأي كان ، رامبو أو غيره ، أن يكتب عدة مقطوعات شعرية ، بلغة أخرى غير لغته ، وتختلف إحداهما عن الأخرى وإن جمعها موضوع واحد ، وينجزها جميعاً خلال عدة ثوان لا أكثر . ترى أتكفي هذه الثواني لتدوين عدة أبيات محفوظة عن ظهر قلب على الورق ، أم هي الرغبة نفسها في نسج أسطورة رامبو وتزويقها ؟

ربما كان في وسع رامبو ، خلال تلك الثواني ، أو قل الدقائق إن شئت ، أن يكتب مقطوعة واحدة لنفسه ، وأخرى لأحد زملائه ، ولكن أن يكتب عدة مقطوعات ، فهذا ما لا يستطيع إنجازه حتى الحاسوب المبرمج ، ومع ذلك فإن الابتذال يبلغ بالمؤرخين هذا الحد من المبالغة .

هذا عن ذكاء رامبو وقدراته الخارقة . أما عن شغبه فالمؤرخون لم يدعوا شيئاً يثبت أنه كان تلميذاً مشاغباً إلا وجاءوا به . ومن ذلك أنهم زعموا أنه حل في المدرسة ( مثل زوبعة شريرة لا تعرف الاستقرار ولا تحب النظام ) . فهو ضد نظام المدرسة وتقاليدها ، وهو ضد الكتب المدرسية وتفاهتها ، وهو لا يصغي لمعلميه حين يحاضرون ، ولا يكترث لهم حين ينصحون ، بل هو لا يحفل حتى بتأنيب مدير المدرسة ، وهو يتحدى الجميع ويسخر من الجميع ، ولكل شيء من ذلك حكاية تروى . وهو يقول ( لا فائدة من أن نبلي سراويلنا على مقاعد الدراسة ) . ويروى عن السيد بيريت معلم اللاتينية أنه قال ( لا تعجبني عينا هذا الفتى ولا ابتسامته . إنه ذكي بقدر ما تريد ، ولكن نهايته ستكون سيئة ) . أما السيد ديدو مدير المدرسة فيروى عنه قوله ( ما في رأس هذا الفتى ليس شيئاً تافهاً ، فهو إما ملاك وإما شيطان ) . وهكذا نخرج بنتيجة أن رامبو كان نموذجاً استثنائياً حتى في الشغب .

ولكن ما نصيب ذلك من الحقيقة ؟

الحقيقة ، ببساطة ، أن رامبو لم يكن طالباً مشاغباً قط ! تقول إينيد ستاركي بحق ( ليس هناك أي دليل ، من أي شكل ، على أن رامبو كان مشاكساً ، أو مزعجاً ، حينما كان في المدرسة ) . بل أن تحقيقاتها أثبتت أنه كان ( طالباً جيداً ) . فهو متفوق عالي التفوق في دروسه ، وهو هادئ ، وخجول ، ومواظب على الدوام ، ومجدّ ملتزم في تنفيذ ما يطلب منه من واجبات . وكانت المدرسة هي كل عالمه ، وكان يجد في هذا العالم سعادته الخاصة ، حتى بدا عليه ( أنه لا يرغب في شيء أكثر من أن يفعل ما يطلب منه فيربح الجوائز وينال ثناء معلميه ) .

إذا كانت هذه هي حقيقة الطالب آرتور رامبو ، فعلى أية بيّنة استند المؤرخون حين جعلوا منه طالباً مشاغباً متمرداً ؟

كل ما هنالك أنه كتب في طفولته ما يفيد بأنه لا يطيق الدراسة وتعلم القراءة والحساب، ولا يرى فائدة في تعلم اللاتينية واليونانية والجغرافية والتاريخ.

غير أن من يقرأ هذا الذي كتبه بنصه لابد له من أن يلاحظ أن هذه أفكار ساذجة كتبها طفل بريء في ساعة نفور من الدراسة ، قبل أن تتفتح له آفاقها ويفهم مغزاها وجدواها . فقد أثبتت الوقائع أن سلوكه الفعلي كان عكس ما كتبه . إذ أقبل على التعلم إقبالاً شديداً ، حتى صار يحفظ دروسه بسرعة عجيبة ، ويجتاز الامتحانات بدرجات عالية ، فنال بذلك إعجاب معلميه وثناءهم ، وجعل إدارة مدرسة ( روسّا ) ترشحه لدخول ( معهد شارلفيل ) قبل أقرانه ، ودفع إدارة هذا المعهد إلى ترقيته سنتين دراسيتين بعد ثلاثة أشهر من قبوله فيه . وهكذا أصبح الطفل الذي تساءل يوماً عن جدوى تعلم اللاتينية واليونانية متفوقاً فيهما ، فينظم الشعر في الأولى وينال الجوائز في الترجمة من الثانية ، وصار الطفل الذي لم يكن يرى فائدة في دراسة الجغرافية والتاريخ ، يكتب موجزاً مثيراً للإعجاب عن تاريخ مصر وسورية وبابل ، ويظهر اهتماماً غير عادي بمطالعة الأطالس وقراءة المجلات الجغرافية .

إن طالباً كهذا لا يمكن أن يكون طالباً مشاكساً مشاغباً ، بل كان كما وصفته إينيد ستاركي تماماً . ولكن سلوكه تغير في السنة الأخيرة من دراسته في ( معهد شارلفيل ) كما سنرى ، وما نقل عن بعض معلميه وأصدقائه مجرد ذكريات رويت بعد أكثر من ربع قرن ، وهي في أغلبها ذكريات مصنوعة ، وضعت لتلائم (النموذج البوهيمي) الذي كان يرسم له في حينه .

الصفحات