كتاب " سيكولوجية الإشاعة رؤية قرآنية " ، تأليف حسين السعيد ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،
أنت هنا
قراءة كتاب سيكولوجية الإشاعة رؤية قرآنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تزايد دورها في العصر الحديث
وفي العصر الحديث تطورت أساليب الإشاعة، وكانت فترة الحرب العالمية الثانية مسرحاً مكثفاً لانتشار الشائعات على نطاق واسع، خاصة وأنها استخدمت كسلاح ذي حدّين؛ للإقناع والاستفزاز. وهذا ما يستدعي مزيداً من تكثيف الجهود لتحليل هذه الظاهرة الاجتماعية، التي ما تزال (تحتاج إلى المزيد من الدراسة والاهتمام، لما للإشاعة من أثر كبير في حياتنا كأفراد وجماعات ومجتمعات وشعوب وحاكمين ومحكومين في السلم والحرب. لذلك درسها علماء النفس كظاهرة نفسية، وعلماء الاجتماع كظاهرة اجتماعية، وعلماء الاقتصاد كظاهرة اقتصادية، وعلماء الإعلام كظاهرة إعلامية، لها تأثير على الجماهير، من حيث تغيير معلوماتهم واتجاهاتهم وسلوكهم)[(]1).
ولما كانت الظاهرة أكثر التصاقاً بأجندة الحرب النفسية، لذا نجد أن موضوع الإشاعة من المواضيع التي اهتم بها علم النفس بشكل متميّز منذ الحرب العالمية الثانية. فلقد لاحظ علماء النفس والمهتمون بالحرب النفسية أن الإشاعة وسيلة هامة من وسائل الحرب النفسية يفيد منها العدو الذي يوعز إلى عملائه ببث الإشاعات التي تبلبل نفسيّة الجماهير، وتفقدها ثقتها بحكومتها، وتشككها بجيشها وقواتها المحاربة. ولذلك عكف علماء النفس على درس الإشاعات وعوامل انتشارها، وما يحدث لها منذ أن تُطلق إلى أن تنتشر[(]2).
وقد أولت مدارس الدعاية السياسية الإشاعة اهتمامها الكبير، وهذا غوبلز - مهندس الدعاية الهتلرية - نموذج شاخص في هذا الاتجاه. إذ كان يجمع الشائعات المتجولة بصورة منهجيّة، وينظم دعاية مضادة لتحييدها، سواء من خلال الاتصال الكلامي، أم من خلال الصحافة المطبوعة والراديو والسينما، أو أنه كان يلجأ إلى (شهود) أجانب، وهم عموماً من المحررين المحابين.
وكما هو الأمر بالنسبة للنبوءات والتنبؤات والتنجيم لم يكن غوبلز يتردد في إعطاء تلك الشعوذات تفسيراً رسمياً ملائماً لخطط الرايخ. هناك مثال متميز حول مهارته في هذا المجال: في نهاية صيف 1943م، انتشرت شائعة حول إعدام عدد من كبار شخصيات النظام، وعمد غوبلز إلى المزايدة على هذه الشائعة، فأعطى أمراً لقطاعاته المتخصصة بنشر شائعة مفادها أن هيملر نفسه قد اعتقل وأعدم. وهذا ما أحدث انفعالاً كبيراً وفي اللحظة المناسبة، عاد هيملر إلى الظهور في كل مكان، مما أدّى كضربة مقابلة، إلى تدمير مجمل الشائعات التي انتشرت حول هذا الموضوع. كان الأمر يكمن في تحطيم شائعة كاذبة، من خلال شائعة أخرى تفوقها كذباً، ولكن من الممكن إثبات أنها عارية عن الصحة[(]1).
قبال ذلك، كانت أجهزة الحلفاء تقوم بدعاية سياسية مضادة، ولجأت في معركتها ضد الخصم إلى أسلوب تحليل الوسائل والخدع التي تلجأ إليها الدعاية السياسية المعادية، وفضحها أمام الجمهور، وهذا ما سعى إليه (معهد تحليل الدعاية السياسية) Institute For Propaganda Analysis في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة الممتدة بين عام 1937م، وعام 1939م.
وحاول هذا المعهد أن يحصّن الجمهور ضد كل نوع من أنواع الدعاية السياسية، معلّماً إياه كشف الخدع الرئيسية التي يلجأ إليها الخصم. كذلك أنشأ صحفي أمريكي، خلال الحرب العالمية الثانية، زاوية أطلق عليها اسم (عيادة الشائعة) حيث لم يكن يكتفي بتكذيب الأنباء المزيّفة التي تُسيء إلى معنويات السكان، بل كان يقوم أيضاً بتحليل نفسي لهذه الشائعات بغية كشف العوامل التي ولّدتها وسهّلت تداولها[(]2). وقد يعمد المعنيون بإدارة الحرب النفسية إلى إطلاق إشاعات مضادة ، في سياق الدعاية المضادة التي تستهدف زعزعة معنويات العدو أساساً.