كتاب " سيكولوجية الإشاعة رؤية قرآنية " ، تأليف حسين السعيد ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،
أنت هنا
قراءة كتاب سيكولوجية الإشاعة رؤية قرآنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مراحل انتشار الإشاعة
هناك ثلاث مراحل تمرّ بها الإشاعة، حتى تسري وتنتشر وهذه المراحل هي:
1. مرحلة الولادة:
وتتسم بأنها مرحلة إنتاج الإشاعة ومرحلة العرض والطلب. في هذه المرحلة، يقوم العدو أو الطابورالخامس من منافقين ومخبرين وحاقدين وعملاء ومأجورين ومرتزقة ورجال إعلام، سواء كانوا من أبناء البلد أو من الأعداء، بإنتاج الإشاعة عند توفّر الوقت المناسب، والجو الملائم، والتربة الخصبة لزرع بذور الشر والفتنة والكراهية والعداء، وتحطيم المعنويات، وإثارة النزاعات بين الأفراد والجماعات والشعوب. ففي حين يطلب الناس المعلومات التي تساعدهم على تفسير ما يجري حولهم في السلم والحرب ولا يجدونها، يقوم مطلقو ومنتجو ومروّجو الإشاعات بتزويدهم بمعلومات تلبي رغبتهم، ولكن دون أن تفك الغموض والمصير المجهول الذي يؤرّقهم.
2. مرحلة المغامرة أو المجازفة:
وهي مرحلة انتشار الإشاعة وذيوعها بين الناس. إنها الطريق الدائري الذي تستمر فيه الإشاعة. ولقد أثبتت عدة دراسات تجريبية بأن انتشار وترويج الإشاعة يعتمد بشكل رئيسي على قانون معين وعلى العمل الجماعي. فالأفراد والجماعات يطلقون الإشاعات، ويشتركون في ترويجها.
يعتمد مدى انتشار الإشاعة على شرطين أساسيين: أحدهما أهمية الموضوع الذي تدور حوله الإشاعة بالنسبة للمستمع أو القارئ أو المشاهد لوسائل الإعلام؛ فمثلاً إشاعة حول ارتفاع أو انخفاض نسبة الفائدة في البنوك ليست بذات أهمية لشخص ليس لديه نقود في البنوك. في حين أنها في غاية الأهمية لأصحاب رؤوس الأموال الذين يتعاملون مع البنوك.
أمّا الشرط الآخر فهو غموض الموقف لدى الجمهور، وذلك لانعدام الأخبار أو اقتضابها، أو تضاربها أو عدم الثقة فيها، أو عدم صياغتها بشكل واضح، أو عدم المقدرة على فهمها من قبل الناس، أو وجود رقابة عليها. فقانون رواج أو انتشار الإشاعة يعني أن كثافة الإشاعة المنتشرة تختلف بحسب أهمية موضوع الإشاعة للأشخاص، الذين تعنيهم ومدى غموضه. فالأهمية وحدها لا تؤدي إلى ظهور الإشاعة ولا الغموض وحده؛ لأنه إذا كانت الأهمية صفراً والغموض صفراً فلن يكون هناك شيء اسمه إشاعة.
3. مرحلة موت الإشاعة:
وهي المحصلة النهائية لعملية ولادة وانتشار الإشاعة وعمر الإشاعة. فمن الإشاعات ما يحيا لمدة ساعة أو ساعات، أو يوم أو أيام، أو أسبوع أو أسابيع، أو شهر أو سنوات أو قرون، أو يموت ليعاود الظهور في فترات دورية.
وفي تحليل للإشاعة قام به علماء الاجتماع في أمريكا، ونشرت نتائجه سنة 1991م، وجدوا أن الإشاعة هي عبارة عن نوع من الفيروسات النشطة التي تنمو، بسبب قدرتها على توليد مخاوف لدى الجمهور المستهدف، تمكنها من الانتشار.
وتتغيّر هذه الفيروسات لتناسب أوضاعاً جديدة. أما بالنسبة لعمر الإشاعة، فقد قالوا إن بعض الإشاعات قد عاش لعدّة قرون.
ومن الأمثلة على ذلك الإسرائيليات الموجودة في بعض كتب التراث الإسلامي، وإشاعات اليهود عن عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام، وقد دحضها القرآن الكريم، كما نعلم جميعاً[(]1).
أمّا من يقف وراء الإشاعة؟ وكيف يتم تداولها بين الناس؟
فيقوم على نشر الإشاعة أو ترويجها عدّة أشخاص لكل منهم دور، يأخذ بعضهم دور الناقل أو المبلغ أو الرسول( Messenger)، فوظيفته إيصال الرسالة الاتصالية (الإشاعة) إلى الجمهور المستهدف، وهو أهم دور في عملية انتشار الإشاعة. أما البعض الآخر فقد يأخذ دور المفسر( interpreter )، يقوم بتفسير الإشاعة ويتكهّن حول مضمونها محاولاً فهم ما حدث أو ما يجري حوله، وهؤلاء هم العقلانيون. أما المتشككون ( Skeptics )، فيعبرون عن شكّهم فيما سمعوا أو قرأوا ويحذرون الناس منه، وهؤلاء هم الطبقة الواعية.
كذلك هناك من يحاول لمصلحة ما التفسيرات الخاصة بتلك الإشاعة دون غيرها، ويقوم آخرون بدور (متخذ القرار Decision Maker)، فهؤلاء يتصرفون بناءً على الأخبار أو المعلومات الواردة في تفاصيل الإشاعة، فإذا سمعوا بأن هناك سلعة ما ستفقد من السوق، أو سيرتفع سعرها يهرعون إلى السوق لشراء كمّيات ضخمة منها، وتكديسها للمستقبل خوفاً من المجهول، وهؤلاء عامة الناس الذين ينقصهم الوعي الكافي[(]1).
والإشاعات التي تروّج بين الناس قد تكون عن قصد أو عن غير قصد.. وتلعب الإشاعات المقصودة المغرضة دوراً رئيسياً في أوقات الحروب والأزمات، لأنها تثير العواطف، وتترك آثاراً عميقة في النفوس، أما الإشاعات غير المقصودة فتسمى ثرثرة أو دردشة، ويجد كل من ناقلها ومستمعها لذة ومتعة في روايتها، دون أن يعلموا أنهم يساعدون على نشر الإشاعات الكاذبة والروايات المختلقة[(]2).
وليست كل الإشاعات بالضرورة مختلقة من أساسها، فهناك إشاعات تستند إلى حدث حقيقي، يتم تشويهه عند إطلاق الإشاعة، ويعتمد انتشار الإشاعة المختلقة، أو المستندة إلى حدث على أهمية موضوعها، وتوافر عنصري الإثارة والغموض فيها[(]3).
والقانون الأساسي للإشاعة عبارة عن حاصل ضرب الأهميّة في الغموض، وليس حاصل جمعهما. فإذا كانت الأهميّة كبيرة والغموض صفراً فلن تكون هناك إشاعة. كذلك إذا كان الغموض شديداً في موقف لا يهمنا فلن تكون هناك إشاعة.
وبتعبير آخر؛ إذا لم يكن للموضوع أهمية، فإن غموضه لا يكفي وحده لاختلاق إشاعة، كذلك فإن الإشاعة لن تقوم لها قائمة إذا كانت الأمور واضحة
لا غموض فيها[(]1).
ويلاحظ أن الغموض قد ينتج عن انعدام وسائل الاتصال والإعلام، أو فقدان الأخبار الموثوقة، أو أمثال ذلك من الأسباب التي تكثر أثناء الحروب، أو في البلاد التي مزقتها الحروب، أو فيما بين الجماعات المعزولة كبعض الفرق الحربية أو بعض الجماعات النائية. كما قد ينشأ الغموض عن انتشار الأخبار المتضاربة وانعدام الثقة بالسلطات الحاكمة، أو وجود رقابة على الأخبار وسواها[(]2) أو نقص المعلومات الرسمية وتضاربها، وسوء الاتصالات والاستعداد النفسي لتقبّل الإشاعة. وهذا ما يفسر انتشارها بسرعة إبّان الحروب والاضطرابات وفي المجتمعات المحرومة من الاستقرار الداخلي، بسبب تناقضاتها الحادة، سواء كانت هذه التناقضات اجتماعية أم دينية أم عرقيّة[(]3).
ففي مثل هذه الأجواء تنتشر الإشاعات الهدّامة التي تتعلق بحياة الإنسان ومصالحه، لإثارة الخوف والرعب والفرقة والخلاف والضعف، فتثير الإشاعات المخوّفة من الغلاء وندرة السلع، أو قوة العدو العسكرية وتفوقه، أو ضعف قوة الجبهة الداخلية، أو الفرقة الطائفية والعنصرية والمذهبية والإقليمية، أو التشكيك بالشخصيات والقيادات والكيانات، والإيحاء للآخرين بالشبهات والتهم وضعف الصف وتخلخل تماسكه[(]4).