كتاب " سيكولوجية الإشاعة رؤية قرآنية " ، تأليف حسين السعيد ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ،
أنت هنا
قراءة كتاب سيكولوجية الإشاعة رؤية قرآنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإشاعة في القرآن
لم يأتِ في القرآن الكريم ذكر صريح للإشاعة أو مشتقاتها إلاّ مرّة واحدة، وردت في سورة النور، وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[(1)].
بيد أنها وردت في مفهومها الشامل وتطبيقاتها ومداليلها العديدة، في الكثير من المواطن والمواقف المشهودة. وككل حركات التغيير الكبرى التي تركت بصماتها على مسيرة التاريخ، لم تمر الدعوة الإسلامية بسلام، ومن دون ردود فعل مضادة وعنيفة وشرسة. فمنذ أن جهر رسول الله e الدعوة إلى الله، وعالن قومه بضلال ورثوه عن آبائهم، قرر المشركون ألاّ يألوا جهداً في محاربة الإسلام وإيذاء الداخلين فيه. وانفجرت مكة بمشاعر الغضب، وظلت عشرة أعوام تعد المسلمين عصاة ثائرين، فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، واستباحت دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وصاحب كل ذلك حرب عاتية من الشائعات المغرضة، والسخرية والتحقير؛ لتخذيل المسلمين، وتوهين قواهم المعنوية، وتحطيم نفسياتهم. فرُمي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بتهم هازلة، وشتائم سفيهة وأُشيعت حولهم الافتراءات والأباطيل للحط من مكانتهم لدى الجماهير.
وفي المدينة حيث كثر عدد المسلمين، فقد اتخذت العداوة للإسلام طريق الدس والنفاق والمخاتلة وترويج الشائعات، فأسلم فريق من المشركين واليهود ظاهراً، وقلوبهم تغلي حقداً وكفراً، وعلى رأس هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول العوفي[(2)].
وفي غمرة المواجهة الضارية، حرص القرآن الكريم على توعية المسلمين، وتكوين الحسّ السياسي والإعلامي لديهم؛ لصيانة الرأي العام الإسلامي وتحصينه من التأثّر بالإشاعات والأكاذيب والأراجيف التي يبثها المندسون والمنافقون والخصوم، ليكوّن المناعة الفكرية والنفسية، ويفوّت الفرص على أولئك المخرّبين، فثبّت الأسس والموازين اللازمة للإنسان المسلم، ليتمكّن من فحص وتمييز الإشاعة والدعاية الكاذبة وفرزها، والوقوف بوجهها[(]1).
وحينما نستقرئ آيات القرآن التي تحدثت عن الإشاعات التي روّجها أعداء الإسلام، وأسلوب التعامل معها، نجد نماذج عديدة لها مبثوثة في كتاب الله، وتكاد تغطّي كل مساحات المواجهة خلال مرحلة النبوّة، وفيما يلي بعض المحطات الهامة[(]2):