كتاب " زهر البنفسج , زهر الرغبة " ، تأليف أنا كلافيل ، ترجمة رنا الموسوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر
أنت هنا
قراءة كتاب زهر البنفسج , زهر الرغبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في ذاكرتي، لا تزال صورتها في تلك الصبيحة المشحونة بالغيوم والشهوة مرتبطة بمشهدين: نظرة أستاذ التاريخ المفتون بتلك اللوحة في الممر والمحكوم عليه، مثل «تانتاليس»، بأن يحاط بالطعام والماء دون التمكن من إرواء عطش وسد جوع شديدين.
أما المشهد الثاني، فهو حين توجهت سوزانا غارمينديا نحو أحد الأعمدة الضخمة في الممر، وقبل أن تسمح لصديقتيها برشها بعد أن تمكنتا أخيراً من انتزاع خرطوم المياه منها، وقفت في الجانب المكشوف للسماء التي أصمّها قصف الرعد، وتركت نفسها تتبلل، ناسية عالم المدرسة وكاشفة وجهها للمطر الذي كان ينهمر عليها وكأنه يحاول اختراقها. كانت المسافة بيننا لا بأس بها، لكن استسلام الفتاة كان جلياً، وكذلك ابتسامتها الخفية وانتشاءها الساطع. كانت مقيدة بالعمود من دون قيود واضحة، سجينة لذتها الخاصة.
في الحقيقة، لا أظن أنني رأيت يوماً سوزانا غارمينديا عن قرب، فهي كانت معروفة بطيشها بعد طردها مرات عديدة من قبل ناظرة الصفوف الثانوية، كما أنها كانت تنتمي إلى الجيل الأكبر سناً في المدرسة وتحيط نفسها دائماً بصديقات وصبية كانوا يسعون دائماً، وبإصرار، للاقتراب منها، فلم يسعني أن أكوّن صورة أوضح عنها: ضفيرة شعر عسلي مسدلة على بشرة مسمرّة وكنزة مربوطة عند الوركين وجوارب ناصعة البياض عند بطتي ساقين شبه انثويتين.
لا شك في أنها كانت أشهى ثمار البستان. حتى بالنسبة إلى من كان يقف على رؤوس أصابعه، مثلي أنا، لم يكن باستطاعته رؤية أبعد من أوراق الأغصان. أما من كان معزولاً في برج سلطته المدرسية، فكان بوسعه النظر إليها فقط وإلى نعومتها الشهية. لكن أحدهم استطاع مد يده وقطف الثمرة. نسيت اسمه لأن ذلك غير مهم. المهم أن تحوله إلى بستانيّ لما كان ممكناً لولا موافقة سوزانا غارمينديا المسبقة؛ لولا الـ «نعم» الصامتة والغامضة التي جعلتها تراه في المرأب المجاور لحمامات الفتيات، فيما كانت رفيقتاها المخلصتان تراقبان المدخل من مكانين مختلفين: إحداهما في أول ممر الأعمدة والثانية تحت القوس المطل على ملعب الصفوف الثانوية.
لم يعرف ما حدث بالتحديد، أكانت الناظرة قد ساورتها الشكوك وضغطت على الصديقة التي كانت واقفة تحت القوس بغية انتزاع اعتراف مقصود أو غير مقصود منها، أو أن تلك الصديقة هي التي وشت بسوزانا للانتقام منها بسبب شجار ما. الأكيد هو أن الناظرة دخلت المرأب ووجدت سوزانا وشاباً من حراس المدرسة الليليين يقومان بأعمال مشينة لا يمكن وصفها.
لقد هزىء «تانتاليس» بالآلهة ثلاث مرات، الأولى حين كشف للجميع أين يخبىء الإله «زوس» عشيقته، وثانياً حين تمكن من سرقة شراب الآلهة وطعامها من طاولة «الأولمب» ووزعه على أقربائه وأصدقائه، وثالثاً حين أراد امتحان الآلهة فدعاها إلى مأدبة كان الطبق الأساسي فيها أعضاء ابنه الذي ذبحه كالعجل قبل يوم عند الفجر. لكن الآلهة قابلت وحشية «تانتاليس» بعذاب قاسٍ، وكأنها أرادت إفهامه أنه لا يجوز العبث معها.