أنت هنا

قراءة كتاب زهر البنفسج , زهر الرغبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زهر البنفسج , زهر الرغبة

زهر البنفسج , زهر الرغبة

كتاب " زهر البنفسج , زهر الرغبة  " ، تأليف أنا كلافيل ، ترجمة رنا الموسوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

أذكر أن نظرة كلاوس فاغنر الزرقاء كانت تخيفني، فشفافيتها توحي بأن لا غور لعينيه، فيستحيل إخفاء شيء عنها. وحين أصبحت مراهقاً وبدأت أكتشف في نفسي رغبات وشهوات لم أعهدها من قبل، عرفت أنني كنت محقاً: لا شيء إلّا ترصده عيناه. والحقيقة هي أنني اكتشفت صور «بيلمر» التي أصابتني بالعدوى بفضله هو، حين نسي يوماً إقفال تلك الغرفة المظلمة التي حوَّلها إلى مكتبه الخاص.

أعرف اليوم أن ما فعله لم يكن عن غير قصد. كان يريد اختباري لمعرفة طبيعتي لدى وقوفي مذهولاً أمام صور توحي ببراءة فقدت نضارتها. لكن قبل إدراكي ذلك، مرت سنوات طويلة من التمرين والتعليم بدأتها بقضاء ساعات نسيت نفسي وأنا أتأمل أجزاء لعب لا تزال مفككة، كانت تمر على البساط المتحرك قبل أن تجمّع لتصبح نماذج لآلاف الدمى، التي ستفرح فتيات مجهولات في بلدان بعيدة وتدغدغ أحلام الأمومة لديهن.

كان كل جزء، أكان ذراعاً أو ساقاً أو صدراً أو رأساً، يشكل كياناً على حدة، مذهلاً ومتلألئاً، ذا بشرة مثالية، بلاستيكية وحسنة التكوين تتمتّع بنعومة لامتناهية تدعوك إلى الاقتراب منها ولمسها.

كنت أرى الدمى التي يخرجها السيد غابرييل وابنه من القوالب لوضعها على البساط المتحرك تمهيداً لعملية التبريد، فيتهيأ لي أن العالم بأسره يدور على هذا البساط.

لحظة تلو لحظة، كنت أعي، من دون أن أدرك تماماً، أن أكثر جمال لا يحتمل هو ذاك الذي يعبّر في أشد خموله عن رغبته الجامحة في أن يستباح.

وفي إحدى المرات التي اصطحبني أبي إلى المعمل، قال كلاوس: «ولدك يحب الدمى كثيراً». لم أسمعه يوماً يتكلم بالألمانية، وكأنه طوى هذا الفصل من حياته إلى الأبد. في تلك المرة، تركني أبي فوق طاولة لحفظ الأرشيف في مكتبه الكائن بين طابقين، وكان أمامي فاصل زجاجي يسمح لي بمراقبة كل نشاطات المعمل. لا أدري كم من الوقت بقيت فوق الطاولة. قال لي كلاوس: «لا تتحرك وإلّا وقعت»، فأطعته تلقائياً: كنت غارقاً في تأملات فقدت خلالها الشعور بالزمن، وقد بهرتني الأصوات التي كانت تصلني من بعيد، متقطعة، في وتيرة شبيهة بسحر الأفلام الصامتة.

أما أبي، فكان غارقاً في أوراقه لدرجة أنه نسي وجود ابنه. تأخر في الردّ على كلاوس، في وقت تأخرت أنا أيضاً عن تذكر المكان الذي كنت فيه.

وقال وهو يضحك لدرجة أرعبتني: «لا بأس... ما دام هو يحب النظر إليها ولا يرغب في أن يكون هو نفسه دمية».

الصفحات