كتاب " زهر البنفسج , زهر الرغبة " ، تأليف أنا كلافيل ، ترجمة رنا الموسوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر
أنت هنا
قراءة كتاب زهر البنفسج , زهر الرغبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الثالث
«الانحراف» هو ما يؤذينا من دون أن يدعنا نشيح النظر. يوقظ الغياهب الصامتة فينا ورغبات ملحة يستحيل البوح بها: هي ظلال تترصدنا وتتوق إلى التجلي فينا. ربما لهذا السبب تنتابنا رغبات لم نعتقد يوماً أننا سنشعر بها، رغبات نائمة ينبعث منها فجأة عطر لا يقاوم... عندئذ، يأتي الانحراف ليلعب ورقته الأساسية: ننظر إلى المرآة ولا نتعرف إلى أنفسنا. نصبح أشخاصاً آخرين. متى لم أعُد الشخصَ الذي كنت عليه؟ أو ربما عليّ الاعتراف أنه في لحظة انبهار أزلية، أزيلت الغشاوة ولم أعد مضطراً إلى الاختباء؟ ربما لطالما كنت ذاك الرجل، المختبىء وراء الشجرة، والمتربص في الظل لبراءة منتهكة حرمتها وهي في جل بهائها. حتى لو كانت شقيقة زوجتي إيزابيل تظنني مجرماً، فأنا لست بمجرم، على الأقل ليس بالمعنى الذي تراه هي. أنا لم أقتل أي حيوان صغير، ولم أمنع الحليب عن أي رضيع. بوسعي الدخول من دون خوف إلى مملكة الأموات ـ علماً أن الموت أو السجن لا يقلقانني البتة. إلّا أن الوعد الوحيد الذي لا أزال أنتظره، مهما بدا عبثياً، هو تلك اللحظة التي تنتعش فيها الحياة ثم تنهار، متعة لم تصدر بعد من الشفتين أو جرح يختلج كوردة أوشكت أن تذبل. حتى لو كنت عاجزاً عن لمسها، يكفيني تأملها وهي تمتلىء نعمة جامحة.
أعرف أنه لا يجدر بي أن أفاجأ لكون صاحبة تلك الادعاءات هي إيزابيل، الأخت الصغرى لزوجتي إيلينا.
كانت طفلة تمتطي صهوة ساقيّ فيما شقيقتها تتزين قبل ملاقاتي. فجأة، كانت توقف خببها وتهمس في أذني بكل جدية: «أنا خطيبتك الحقيقية وشقيقتي خطيبتك الوهمية، أليس كذلك؟». في حضور إيلينا التي كانت تتظاهر بالغيرة لدى رؤيتنا معاً، كنت أجيبها همساً أيضاً: «إيلينا هي المفضلة لدي، لكنك حبيبتي المدللة». عندئذ، كانت تنزل إيزابيل عن صهوة فرسها كأميرة تبلغ من العمر تسع سنوات، فارسة لينة ومتعالية، جذابة ورائعة كما لمحتها لبرهة.
في تلك الأيام، كنت عدلت عن دراسة الطب للاهتمام بمعمل الدمى. كان أبي توفي تواً جرّاء نوبة قلبية، وحين أخذت تلك المسؤولية على عاتقي بموافقة كلاوس، لم يخطر ببالي أننا سنصبح بعد بضع سنوات ليس شريكين فقط بل متواطئين في تصنيع دمى محرمة: دمى «ال؟يوليت» أو «البنفسجات»، تلك النماذج الفريدة في نوعها التي تم توزيعها خفية عبر العالم لزبائن مقتدرين يستعملونها في مضاجعهم ولكن أيضاً مملكة واسم للذين لا يجب أبداً أن يستسلموا لإغرائها.