أنت هنا

قراءة كتاب زهر البنفسج , زهر الرغبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زهر البنفسج , زهر الرغبة

زهر البنفسج , زهر الرغبة

كتاب " زهر البنفسج , زهر الرغبة  " ، تأليف أنا كلافيل ، ترجمة رنا الموسوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

اقترب كلاوس من طاولة الأرشيف وبحثت نظرته الزرقاء عن عينيّ، وبعد معاينة استمرت بضع دقائق، قال بلهجة قاطعة: «لا تقلق يا خوليان، ابنك من طينَتنا».

بعد فترة، سنحت لهما فرصة للتأكد من هذا القول. كانت ردة فعل كلاوس أكثر ليونة من أبي الذي ضربني بالزنار ـ وكأنه وجد نفسه مضطراً لمعاقبتي ـ وأبعدني عن المعمل عدة أسابيع. أما خالاتي وجدتي وحتى أمي، فأبدَين بعض التحفظ والامتعاض، لكنني سمعتهن يوماً يتباهين بـ «زعرنتي» وهن يخلنني نائماً في الغرفة المجاورة.

«أصبح رجلاً... لم يبلغ بعد السادسة من عمره وها هو يتصرف كالرجال. من الواضح أنه سيشبه أباه...».

تلك الكلمات التي تفوهن بها بلهجة احترام أشعرتني بالاعتزاز، إنما أثارت أيضاً استغرابي ودهشتي. عدتُ بالذاكرة إلى المشاهد التي تسببت بردود الفعل تلك. وغالباً ما أستعرض في ذهني ذاك الفيلم الصامت الذي لايزال حياً في ذاكرتي، والذي تظهر فيه ابنة إحدى العاملات بفستانها المطبوع بالزهور والشبيه بثياب الدمى.

كانت «ناتي» ـ وقد عرفت اسمها حين وُبّخت بسببها ـ لا تنطق بعد، لكن حين أعطيتها دمية عارية، ناغت وهزهزَتها بين ذراعيها. لا أدري كيف دخلنا تلك الغرفة التي كانت تستعمل كمستودع وحيث تكدست في صندوق كبير دمى لا تزال عارية، فلم يصعب عليّ الصعود على مقعد وتقديم اللعب إلى «ناتي» واحدة تلو الأخرى. لا أذكر من منا خطرت له فكرة أن نجلس الدمى على الأرض. لكن «ناتي»، وبكل منطق وبساطة، بادرت إلى خلع فستانها وجلست إلى جانب الدمى وكأنها واحدة منها. وما إن خلعت ثيابها الداخلية بمساعدتي، حتى اكتشفتُ بين ساقيها شيئاً لا أذكر أنني رأيته من قبل وأثار استغرابي كثيراً.

ـ «أنت مكسورة...».

ثم كررتُ تلك الكلمة كالصدى، لا بقصد الاتهام أكثر مما هو لاستيعاب اكتشافي وفهمه: «مكسورة، مكسورة، مكسورة».

بعض الأمور يفهمها حتى الأولاد و «ناتي» فهمت: أمسكت إحدى الدمى وعاينت ما بين ساقيها. كانت البشرة البلاستيكية ملساء ولا تترك مجالاً للشك: الدمية لم تكن مكسورة. انتفضت «ناتي» وهربت وهي تصرخ وتبكي. لكنني لا أذكر صراخها بل وجهها الحزين وفتحة فمها الذي لم يُصدر إلّا صراخاً صامتاً. وقد أخافتني ردة فعلها مثلما أخافني اكتشاف سر جرحها. أجل كيف بقيت مختبئاً في صندوق الدمى من دون أن أختنق، إلى أن أنقذني كلاوس بعد ساعات. كنت قد غفوت وأنا أتأمل عينين قزحيتين لدمية صهباء، وأشتم رائحة الدهان المنبعثة منها.

أجهل سبب شعوري بالأمان إلى جانب جسدها المثالي، المقفل والخالي من أي ندبة.

الصفحات