كتاب " ملاك الحقيقة " ، تأليف ضحى الرفاعي .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ملاك الحقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ملاك الحقيقة
1
هذه أنا... هذه حياتي
أخذوني للحديقة ليرتبوا غرفتي، فاليوم أبدأ معاناتي مع طبيبة جديدة بعد وفاة طبيبي السابق، لا أدري هل أنا نحس على جميع من بدأوا يعالجونني، أم أنهم جميعا أغبياء؟
أنا لست حزينة على فراق أي منهم، وبالمقابل أيٌ منهم لم يكن حزينًا على فراقي، فتلك التي تظن أن لا أحد يفهم غيرها في كل شيء حتى الطقس؛ سافرت لأخذ درجة الدكتوراه- مع أنها تظن أن لا شيء من العلوم ينقصها لكن- "هذا العالم الغبي لا يقتنع إلا بالدرجات العلمية، وأنا ذاهبة كي لا يستطيع أحد معارضتي بعد الأن". وكأن أحد كان يجرؤ على معارضتها قبل ذلك، كانت ستأكله بلا ملح، فهي تصبح مخيفة إذا انتقدها أحد.
وذلك الذي كان أكبر من والد جدي ويسميني صغيرتي، كنت أخاف أن أنظر له، لكن تلك التي كانت قبله تقول أنني لا أخاف من شيء، وكانت تتمتع بذمي، كلما سألها المدير عن حالي، عن حالي ها! وليس عن أخلاقي، كانت تصفني بأقبح الصفات، لكني لم أكن سيئة كما كانت تدّعي، بل أنا كما يقول عني علِّي -وهو ممرض أعرفه منذ تسع أعوام عمل هنا منذ تخرجه، وابن مدير المشفى ومن أصول عربية مثلي، وهو يعتبرني صديقة له كما اعتبره: "أنت ملاك سقط من السماء لكن لسوء حظه وقع في العصفورية"، والعصفورية هو المصطلح المحبب له عن هذا المكان، لكنه لا يجرؤ على قوله أمام والده، لكن هذه الطبيبة -مع أنها رحلت منذ كنت في العاشرة من عمري أي منذ أكثر من تسعة أعوام- جعلت سمعتي في الحضيض، فصفاتي هي الفتاة المشاكسة، الشقية، العنيفة أحيانًا، مع أنني لست عنيفة فأنا أخاف منظر الدم على التلفاز عندما أشاهد ما يُهَرِّبُ علِّي من أفلام لنشاهده ليلًا، فهذا ممنوع طبعًا، لكننا لا نجرؤ على عمل ذلك إلا بالليالي التي يكون علِّي هو المسؤول عن المناوبة الليلية في قسمي، حيث يتفقدني ثلاثة مرات في الليل، هذا غير نوم الممرض المسؤول في الغرفة المجاورة لغرفتي ليصله صوتي دائمًا، لماذا دائما؟ آه لقد نسيت أن أعرفكم بنفسي وسبب وجودي هنا.
أنا سالي فتاة مريضة في مستشفى الأمراض النفسية في أرياف فرنسا، وهي من أجمل جنان الأرض وأنا أحب هذا المكان كثيرًا فهو بيتي، صحيح أنني أغادر أحيانًا في الأعياد لأرى والداي لكن في باقي الأوقات أبقى هُنا، أما مرضي فهو أحلامي، إنها أحلامٌ واقعيةٌ جدًا وخياليةٌ جدًا، لكن ما أنا واثقة منه، أنها تصيبني بالفزع، فلا أتوقف عن الصـراخ حتى أجبر على أخذ الإبر وأتأكد أن أحدًا يَهتم لأمري قريبٌ مني، ولن يفارقني لِأنام، لكن إن لم يكن بقربي أحد ويقلق بشأني وأثق أنه لن يتركني فور نومي فلن تفيد أي إبرة مهدئة مهما زادت الكمية.
يبدو أنهم نظّفوا الغرفة، وها هو علِّي قادم لأخذي، نسيت أن أخبركم بعجزي عن السير، بل أنا لم أمشِ في حياتي، منذ كنت طفلة ظللت أحبو حتى عمر ثلاث سنوات، فذهبت أُمي إِلى الطبيب فأخبرها أنني لا أملك أي عيب خلقي يمنعني من السير، لكني لا أرغب في السير وأشار علِّيها باستشارة طبيب نفسي، وهنا بدأت حالتي تُكشف فبكائي طوال الليل لم يكن طبيعيًا وهدوئي بعد كل ليلة عنيفة كهذه لم يكن طبيعيًا أيضًا، لكن أمي لم تنجب قبلي أو حتى بعدي لترى الفرق بيني وبين باقي الأطفال، ها هو علِّي، وها هو قد حملني ووضعني على الكرسي وبدأ يحادثني كعادته.