كتاب " نزار مروة في عوامله الثقافية وفي دروب حياته " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته
تصدير
لهذا الكتاب قصة تعود إلى العام الأخير من القرن. كان قد مضى على غياب نزار مروة ثمانية أعوام. أصابني حنين جارف إليه كما أصاب هذا الحنين أصدقاء آخرين، كان في مقدمتهم محمد دكروب الذي يعتبر نفسه مثلي صديق عمر لنزار، ابتداءً من مطلع خمسينات القرن الماضي، بعد عودة نزار مع العائلة من العراق إلى لبنان واختيار بيروت مقراً للإقامة والعمل والدراسة. تداولت مع محمد دكروب في إمكانية العودة إلى تراث نزار واختيار نماذج من كتاباته في الموسيقى والنقد الأدبي والفني. وقررنا البدء بالعمل. أقمنا ورشة للبحث عن كتابات نزار في المجلات والصحف وفي أرشيفه الخاص. ونجحنا في جمع عدد غير قليل من كتاباته في الميادين المشار إليها. وتطوع محمد دكروب للاهتمام بالكتاب الأول المكرس لكتابات نزار في الموسيقى، على أن يتم الاعداد للكتاب الثاني بعد فترة لا تتجاوز العام. وقد صدر الكتاب الأول بعنوان «في الموسيقى اللبنانية العربية والمسرح الغنائي الرحباني» مع مقدمة لمحمد دكروب، ولقي صدى طيباً في الوسط الثقافي، وفي وسط أهل الموسيقى على وجه الخصوص. ولشدة فرحنا بالكتاب الأول نسينا الكتاب الثاني وسط انشغالات كل منا، دكروب وأنا، بهمومنا المتعددة الجوانب. وإذ صعب على دكروب في الآونة الأخيرة الاهتمام بإعداد الكتاب الثاني بالطريقة الممتازة التي أعد فيها الكتاب الأول، أخذت على عاتقي الاهتمام به على طريقتي ومن دون أية خبرة عندي في هذا النوع من العمل. استعرضت ما كنا قد جمعناه من كتابات لنزار. ودخلت في قراءتها مقالاً إثر مقال في الفكر وفي الموسيقى وفي الأدب وفي الفن. وخلصت إلى اختيار هذه المجموعة التي يضمها هذا الكتاب. لكنني لم أشأ أن أقحم نفسي في مهمة وضع تقديم لهذه المقالات كما فعل دكروب، وكما جرت العادة في مثل هذا النوع من الكتب، لا سيما إذا كان أصحابها قد غادروا الحياة وتركوا سيرتهم وتراثهم لمن يتطوعون للاهتمام بهما. وبدلاً من وضع مقدمة للكتاب من ذلك النوع المعتاد من المقدمات، شرعت في كتابة ما يشبه سيرة نزار، التي كنت شريكاً له في قسم أساسي منها منذ شبابنا الباكر، بدءاً من المرحلة العراقية من حياته، وصولاً إلى اللحظة الأخيرة من العمر. وتركت للقارئ أن يدخل فيما تستهويه قراءته من المقالات التي يضمها الكتاب في مواضيع مختلفة في الفكر وفي النقد الأدبي، وفي قضايا المسرح والسينما، وفي تاريخ الموسيقى وفي تأملاته في الحياة والموت. واخترت الابتعاد عن تقديم قراءتي الخاصة لتلك المقالات.
غير أنني أحب أن أعترف للقارئ في هذا المقام بأن اختياري للمقالات هو بذاته تعبير عن وجهة نظري في تراث نزار. بمعنى أنني أخذت من تلك المقالات ما رأيت فيه تعبيراً عن شخصية نزار وعن فكره وعن الاتجاه الذي اختاره لنفسه في الفكر وفي الأدب وفي الفن. اخترت بعناية وبدقة تلك المقالات بعينها من دون سواها، ليس لأن ما أهملته منها لا يستحق الاهتمام به، بل لأن ما اخترته يشكل في نظري التعبير الأفضل عن مواقف نزار في المواضيع التي عالجها في كتاباته.
وأحب أن أعترف في الآن ذاته بأنني اكتشفت في هذه المقالات ما لم أكن أعرفه عن نزار من فكر نيّر، ومن سعة ثقافة، ومن دقة في تقديم آرائه، دقة حرص فيها على أن يكون مسؤولاً في إعطاء آرائه بالأعمال الثقافية وبأصحابها. وهي بالتحديد مسؤولية المثقف النقدي بامتياز. ويشكل المقال الأول من الكتاب حول المثقف النقدي أصدق تعبير عما أشير إليه من إحساس عميق عند نزار بالمسؤولية.
يبقى عليّ أن أقدم اعتذاري للقراء عن الخلل الذي برز في اختيار المقالات، الخلل المتمثل في عدم الاشارة إلى تواريخ المقالات وإلى المكان الذي نشرت أو قرئت فيه. وهو نقص يعود إلى أن الذين كنت قد كلفتهم سابقاً بمهمة جمع المقالات وتصويرها فاتهم تسجيل تلك التواريخ. وقد كان من الصعب عليّ أن أصحح هذا الخلل. لأن التصحيح كان سيقود إلى تأخر إصدار الكتاب، إذ اعتبرت أن المهم في هذه النصوص التي كتبت في زمانها العائد إلى حياة نزار هو ما جاء فيها من مواقف وآراء وأفكار تعود إلى نزار بالذات الذي انقضى على غيابه واحد وعشرون عاماً. إلا أنني مع ذلك أذكر أن مقالات نزار الواردة في هذا الكتاب وفي الكتاب الأول، قد نشرت في معظمها في مجلة «الثقافة الوطنية» ومجلة «الطريق» ومجلة «المقاصد» ومجلة «المسيرة» وجريدة «النداء» وجريدة «الأخبار». لكني لا أذكر المجلات والصحف الأخرى.
تلك هي بأمانة قصة هذا الكتاب من أولها إلى آخرها. وأرجو أن أكون قد قمت ببعض واجب الوفاء لهذا المثقف الجميل الذي اسمه نزار مروة. وإني على ثقة بأن القارئ سيجد في هذا الكتاب المزيد مما يريد أن يعرفه عن نزار، إضافة إلى ما قدمه الكتاب الأول عنه.
أما بالنسبة إلى سيرة نزار، سيرة حياته وسيرة نشاطه الثقافي، فقد تطوعت استناداً إلى معرفتي التفصيلية بحياته منذ بواكير عمره، لتقديم ما سميته «مدخل إلى عالم نزار مروة في ما يشبه السيرة»، وهو مدخل يقدم للقارئ الكثير مما يمكن أن يكون واسطة معرفة بهذا المثقف المميز في تاريخنا اللبناني والعربي الحديث.
كريم مروة