يظل الحديث عن موضوعة الدولة الوطنية من اكثر الاحاديث اثارة للجدل واستدعاء للاسئلة، لان هذه الدولة لم تعد قرينة بحراك الجماعات التقليدية المهيمنة ومظاهر نشوئها التاريخية الملتبسة، بقدر ماأضحت قرينة بحراك سسيوسياسي اوسع، وبسيرورات تحمل معها مشروعها في التأصيل
أنت هنا
قراءة كتاب اشكالات الدولة الوطنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
هذا النسق من المواجهات الحادة الطباع بدأ يشرعن بالضرورة لوجود انماط اخرى اكثر تعقيدا واكثر سرية من الصراعات التي قادت الى ايجاد اشكال معقدة من الهيمنات السياسية والامنية، وصولا الى نشوء ظاهرة الاحتلالات العسكرية، تلك التي أخذت تؤشر مسارات جديدة لخارطة دولية واقليمية لطبيعة موجهّات القوة الدولية تحت يافطة(المجتمع الدولي)، ولاجتراح الية للعنف والقوة والاحتلال والعقوبات، غايتها الحفاظ على المصالح الاقتصادية والامنية والعسكرية لهذا المجتمع الافتراضي، فضلا عن ما يمكن ان تؤشره نتائجها من تحولات بنيوية خطيرة على صناعة الظواهر السياسية وصراعاتها في المنطقة، خاصة بعد تصاعد الاصوات العالية حول ماسمي ب(الارهاب الدولي)، وفي التعاطي مع انعكاساته المؤثرة والخطيرة، عبر فرض الكثير من سياسات الطوارىء، والعنف الداخلي، والتمهيد لمرحلة تاريخية جديدة تقوم على التبشير بمنظور اخر للقوة والعلاقات الدولية، فضلا عن استشراف هيمنة مجموعة من الفلسفات السياسية والعسكرية التي تستمد جذرها من اصل ثقافة القوة/قوة النوع/قوة رأس المال/قوة المعسكر. مجموع هذه القوى تمثل اساسا للاعلان عن عالم جديد يقوم على قوة تشابك الامن الدولي مع المصالح الدولية، وعلى فرض السيطرة الستراتيجية عبر ما يسمى بالقوة الكريهة واحتكارها، وهذا بالضرورة يفترض ايجاد مركزيات قريبة الشبهة من نموذج الدولة التي اقترحها هيغل بكل ما تحمله من مفاهيم للقوة والسيطرة، والتي وجدت في افكار هنتغتون وفوكايوما وبرنجسكي مجالا لاختبار نموذجها الاجرائي الخاضع للتطبيق والمقايسة، النموذج الذي تتجوهر فيه قيم ومفاهيم واستعدادات للتماهي مع مفهوم القوة السياسية والاقتصادية التي صنعت مظاهرها القاسية العولمة الاميركية، والتي عبرّت عن استعدادها لتقبل انتاج مفاهيم (تحول السلطة ) باعتبارها مصدرا من مصادر التعبير عن القوة العمومية، قوة النمط المهيمن، وفي ذات السياق الذي اقترحه الكاتب الامريكي الفين توفلر في كتابه الذي يحمل العنوان ذاته والذي يحذر فيه من الاتجاهات الجديدة في صناعة النمط السياسي واشكال العلاقات السياسية في اطار مفاهيم العولمة ، تلك التي قد تتجاوز مصادر القوة والصناعة المعرفية الفائقة والهيمنة على السوق والانتاج ورؤوس الاموال ،والتي بقدر ما توفّر مجالات استثنائية للحوار الثقافي/الحضاري وتفسح المجال امام هوية كونية غير مسبوقة ،فانها ستهدد في الان نفسه وحدة الكيانات الجديدة التي انبثقت كلها تقريبا مابعد مرحلة الحروب الكونية ،وسينسحق امامها نموذج الدولة التقليدي الذي يستعير مفهومه من نموذج الدولة/الامة الذي ساد في اوربا خلال القرون الوسطى وبداية عصر الحداثة،وهي ذات الفكرة التي اشار اليها هيغل عندما (اعلن بان التاريخ قد انهى تحققه ووصل محطته الاخيرة عند نقطة تشييد الدولة البروسية )1 ..
ان هذه الاتجاهات التي تضع صناعة مفاهيم عميقة مثل الحضارة والمدنية والعولمة في سياق استعمالي، مقابل كتلة الدولة التقليدية، وبتالي فان هذا التقابل الاشكالي سيضع الدولة امام نزوع قهري غير مسيطر عليه لفقدان توازنها الداخلي، والتماهي مع اغواءات التحول الديمقراطي على الطريقة الاميركية، والذي يمثل في جوهره بداية صياغة اشكال جديدة لعالم جديد ولمرحلة من الخضوع والهيمنة في آن، خضوع لقوة السياسة الدولية التي تقودها القوة الكونية، وتهديدها على الدوام بالانخراط الاضطراري في صراعات مصالح وازمات سياسية وأمنية خاضعة هي الاخرى لاشكال صراعية غير متكافئة، ومحددة بسياقات اقتصادية وسياسية، لها علاقة ب(حرب الثروات)و(حرب المصالح)وحرب الطاقة والممرات المائية)و(حرب الامن الدولي والاقليمي) وانتهاء بالحرب الخفية، لكنها الاكثر رعبا وتهديد للاستقرار القومي والتي يضع شروطها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والمرجعيات السياسية للقوة الدولية.
هذه التشكلات تبدأ من صياغة مفهوم الهيمنة على الدول او ماسماه الدكتور جلال امين بمصطلح تقابلي ل//تفكك الدولة//2 ، وتنتهي بالهيمنة على صناعة ملامح التاريخ الجديد للعالم، أي صناعة مرويات جديدة له ،وربما مخيالا اكثر سعة واكثر اثارة، له خرافاته واوهامه وله امبراطورياته وطغاته ..
فمع زيادة انقسام العالم دوليا وزيادة عدد الدول في الشرق والغرب، بدأ هذا العالم المهيمن الجديد يبحث عن حلول كونية لمعالجة الكثير من مشكلاته الجديدة في السياسة والامن والثروات والاجتماع والاقتصاد، بعيدا عن طبيعة المشكلات القديمة ذات المرجعيات الرومانسية الحاضنة لمفاهيم التحرر من الاستعمار وبناء الاشكال التقليدية للدول والتي باتت في مراحل لاحقة(دول ازمات) ودول حروب صغيرة، والتي تحمل في بنياتها الداخلية استعدادات كبيرة للانفجارات الاجتماعية، فضلا عن ان المشكلات الجديدة باتت اقرب الى المشكلات المفهومية ذات المرجعيات الاجتماعية، خاصة بما يتعلق بالحريات والحقوق المدنية وطبائع الدول، وازمات الثقافات والهويات والتي بدأت تروج لها الكثير من الحركات المدنية، وحتى الثورات الشعبية التي بدأت تضعها امام مريديها كممارسات بطولية واخلاقية للتحرر من نظم الاستبداد والقهر الاجتماعي واعادة انتاج النوع القومي والوطني..