أنت هنا

قراءة كتاب اشكالات الدولة الوطنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اشكالات الدولة الوطنية

اشكالات الدولة الوطنية

يظل الحديث عن موضوعة الدولة الوطنية من اكثر الاحاديث اثارة للجدل واستدعاء للاسئلة، لان هذه الدولة لم تعد قرينة بحراك الجماعات التقليدية المهيمنة ومظاهر نشوئها التاريخية الملتبسة، بقدر ماأضحت قرينة بحراك سسيوسياسي اوسع، وبسيرورات تحمل معها مشروعها في التأصيل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
وازاء هذا نجد ان هناك طروحات اخرى تحاول دائما ان تجد افقا جديدا للتبشير بالنظرية الامريكية الجديدة في الهيمنة من منطلق ايجاد علائق ومجالات، ومظاهر للقوة الاقتصادية والسياسية، بقدر تشابكها واختلافها فانها تقوم على حساب المصالح وتذويب العديد من الافكار والايديولوجيات المضادة لهذه المصالح، ففي كتاب زبغينيو بريجنسكي//بين عصرين/امريكا والعصر التكنوتروني// الصادر عام 1970 ثمة الكثير من افكاره وتصوراته الاستباقية التي وضعها في اطار اعادة صياغة المنظور العالمي للعلاقات الدولية عبر حساب مصالحها وتجاوزها لعقد الايديولوجيا والخصوصية والمقدس والهوية ودخولها مرحلة يشوبها الكثير من الغموض وربما تلبستهآ تحت اثرعدوى هذا المنظور خرافات واساطير اكثر ابهارا لمرحلة الثورة التكنوترونية ذاتها، اذ يرى برنيجسكي ( ان الامر المتناقض في زماننا هو ان الانسانية تصبح اكثر وحدة واكثر تفتتا في الوقت نفسه، وان هذا التناقض هو الذي يشكل الحركة الرئيسية للتغيير المعاصر، فلقد انضغط الزمان والمكان بشكل يجعل السياسات العالمية تكشف عن اتجاهات اخرى من اشكال التعاون والتفاعل وبطرق اكبر واكثر تداخلا، وكذلك نحو تفسخ القناعات المستقرة والولاءات الايديولوجية، ذلك ان الانسانية تصبح اكثر اندماجا وتعاونا حتى مع ازدياد الاختلافات في ظروف كل مجتمع على حده، وحتى في ظل هذه الظروف فان التقارب بدلا من يقوّي الوحدة، يؤدي الى نشوء ثورات واحتجاجات تزداد حدة مع تصاعد الشعور جديد بالاحتقان العالمي، وان الاثر التراكمي للثورة التكنوترونية هو اثر متناقض، فمن جانب تطلق هذه الثورة بدايات مجتمع عالمي ومن جانب اخر تفتت الانسانية وتنزعها من مراسيها التقليدية) 3
 
وطبعا فان مثل هذه الطروحات تترك اثرا بشكل او باخر، من خلال معطيات التأثير السياسي والامني، وطبيعة موجهات المعونات الاقتصادية والعسكرية، وعلائقها بالمصالح وغيرها من الاعتبارات الجيوبوليتيكية، اذ ان الحديث عن اشكال التعاطي مع موضوعات الديمقراطية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة لم تكن خارج هذه(الحسابات) ومااقترن بها من سياسات وبرامج وجهد امني مكثف ذات لبوسات انسانية او ثقافية، اذ اخذت الكثير من سمات تلك البرامج نوعا من السياسات التي انعكست على مواقف وممارسات بعض الدول والمنظمات والهيئات التي تنفذها في هذا المكان او ذاك، أي انها اخذت طابعا ايهاميا اكثر مما هو واقعي، وهو ماجعلها الاقرب للاقترن بتصورات تقوم في اغلب افكارها ومشاريعها على توصيفات مايشبه الدرس التبشيري القديم، وان بتوجهات وانماط جديدة. هذا الدرس القديم رغم فقدانه الشكلي لاهلية التعاطي مع اللحظة المعاصرة، الاّ انه ظل نموذجا لاستقراء درس مبرر في تنفيذ سياسات معينة، فالدول التي كانت تحظى بالرعاية والدعم التقليديين، اخذت تخضع الى تأثير جرعات عالية من الدعم اللوجستي الذي وضعها بمواجهة تحديات داخلية وخارجية، الاّ ان العديد من نماذجها قد سقط مواجهة ازمات داخلية معقدة، مع تنفيذ سياسات اقتصادية ضاغطة انتجت الكثير من مظاهر العجز والتضخم والبطالة والفقر، فضلا عن انها لم تستطع ان تؤسس لها نظاما اجتماعيا وسياسيا مدنيا ونظاما اقتصاديا يناسب مفاهيم واهداف الاجندة الامريكية ذاتها، والجماعات التي كانت تحظى بالتمويل الامريكي والغربي المباشر لم تستطع هي الاخرى الخروج عن ايديولوجياتها العنفية وبرامجها التقليدية وقيمها المفارقة لما هو حداثوي وديمقراطي، وبالتالي فان اعادة ترتيب المعادلة الجيو سياسية في دول في (العالم الثالث) او في الخارطة الصراعية الاقليمية سيكشف لنا عن هول الصدمة وطبيعة الفشل السياسي والاقتصادي والامني، فالدعم الامريكي لدول معينة وكذلك الدعم الامني والعسكري لانظمة وجماعات معينة ومحددة والتي كانت تتبنى الخطاب السياسي الامريكي وشعاراته لم يحدّ من ظواهر مواجهتها لمظاهر العنف الجديد، خاصة مايتعلق بالعنف الايديولوجي والعنف العقائدي والعنف الديني، اذ اسهم تصاعد هذا العنف وعجز هذه الدول عن مواجهة تداعياته اسهم في تكريس اتجاهات وايديولوجيات وجماعات اكثر ميلا للعنف المسلح ذات النزعات الاصولية والاكثر استخداما لانماط الخطابات التي تنحاز الى تقديم مبررات للعنف المؤدلج والمسلح على انه وظيفة وسياسة دفاعية عن النوع والهوية، لان هذا العنف اصبح صورة لتقديم الارهاب على انه نمط من انماط الثقافات والاتجاهات وحتى النزعات العصابية والانتحارية بمواجهة تحولات عميقة باتت تتحدى النظام السياسي الدولي وطبيعة مصالحه المتناقضة، مثلما وجد نفسه هذا النظام بمواجهة ازمات مفهومية/ثقافية واجرائية لقيم الديمقراطية كثقافة ايضا واتجاهات تسعى لاستقطاب قوى جديدة في المجتمعات وخاصة الشباب في سياق بناء منظومات للسلم الاهلي والحقوق في الدولة الحديثة التي تؤسس نظامها السياسي المدني على اسس وبرامج تحترم وتشرّع قيم المواطنة على المستوى الاجتماعي وقيم الدولة الدستورية على مستوى النظام وقيم الاقتصاد الحر على مستوى البنية الاقتصادية. ولكن طبيعة نشوء هذه الدولة الحديثة وارهاصات تشكيل نظامها السياسي لايحدث وكأن هذه الدولة وليدة مخاضات طبيعية وتاريخية كالتي عاشتها اوربا الحديثة، اذ وجدت هذه الدولة نفسها في سياق غير تاريخي، وامام مظاهر وصراعات ومواجهات بين قوى اعادت انتاج التاريخ الايهامي للحاكمية في سياق مغاير استثمر ظروف مرحلة مابعد الاستعمار القديم، والتي تحولت الى اشكالات عميقة الاثر في الظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي انتجت ظاهرة الدولة، اذ لم يعد واضحا ان حدوث هذه الازمات على علاقة مباشرة بالصراع مابين قوى الاستعمار والقوى الجديدة، او انها اعادة انتاج للظاهر من المواجهات والصراعات الطائفية والقومية مثلا، او مايقابلها فيما بعد في سياق البحث عن هوية الدولة الجديدة، من خلال مواجهة الصراعات بين مفهوم الدولة الديني والسلالي الذي توارثته القبائل والقوى الحاكمة، وبين مفهوم الدولة المدني الذي اصطنع له خلال مرحلة الخمسينات والستينيات العديد من الانقلابات العسكرية التي صنعت اشكالا للدول الثورية او الجمهوريات التي تحكمها قوى العسكرتاريا او القوى المؤدلجة، فضلا عن ماعلق بها من صراعات اخرى بين الاتجاهات السلفية ذات المرجعيات المعروفة والرافضة لكل ما هو حداثي وعلماني وتأويلي والتي تتلبس مفاهيم ما قبل الدولة الحديثة وبين القوى الجديدة العلمانية والليبرالية والتي بدأت تنخرط في مشروعات التحديث حسب، وانما تجاوزت ذلك لاصطناع ازمات اخرى اكثر عمقا بين الاتجاهات ذات المرجعيات العلمانية ذاتها بحكم تعقد الحقول التي بدأت تتشكل بها المصالح والصراعات وخرائط القوى والجماعات، خاصة عند بعض القوى السياسية والايديولوجية التي أخذت تعيش استحقاقات الدولة وتفكك الكثير من خصوصياتها وخنادقها، ومؤثرات نموذج الدولة الاوربية الحديثة، وهو ماحدث فعلا في الصراع البلقاني بين الصرب والبوسنيين وكذلك عند مجموعات جبهة تحرير نمور التاميل في سريلانكا وعند الثوار في الفلبين وفي بعض دول امريكا اللاتينية، وفي اندنوسيا، واخيرا في جنوب السودان. هذا التمظهر للمسكوت عنه في الصراع الثقافي وحتى الايديولوجي الغى ذاكرة التآلف القديم بين قوى محلية لم تكن علاقاتها ومصالحها محسوبة بدقة! وافرز لنا حساسيات جديدة تستعير من انماط الخطاب القومي التقليدي والخطاب الديني المنغلق والتاريخي المأزوم بالصراعات القديمة الكثير من مرجعيات مقارباتها العصابية لهوية القوى الفاعلة في تلك الصراعات، والتي وضعت مفاهيم الديمقراطية والدولة والجماعات ذاتها في سياق تقابل صراعي يمثل في جوهره تقاطعا في النظر الى السلطة والثروة، واستحضارللثقافات التي تعبّر عن الخصوصيات، والتي تحولت الى ثقافات متقاطعة مع البعض الاخر للثقافات المركزية التي تريد الهيمنة والغاء الذاكرة ومحو العقائد الاخرى واشاعة اشكال قصدية من الصراعات بين الجماعات، وربما في بين الدول ذاتها، وهو ماعاشته العديد من الدول الاوربية في مرحلة حداثتها المتأخرة، خاصة مع اعتراف الرئيس الفرنسي ساركوزي بفشل انتاج ظاهرة المجتمعات الغربية التي تعيش على التعدد والتنوع بين الثقافات والاديان والهويات المتنوعة، ولاشك ان تفاقم هذا الصراع واتساع مدياته وسط غياب مثير للجدل حول ايجاد بيئات مناسبة للتفاعل والاندماج بين انماط الديمراطيات وبين الحاجة الاجتماعية الى تأمين حقيقي لثقافة الاشباع والرفاهية وبناء المؤسسات الخدماتية الفاعلة في العالم الذي يعاني من ازمات تاريخية عميقة، وهو ماوجد ظواهره في الدول التي تعاني من ازمات تنموية، وصراعات ديموغرافية اثنية ودينية في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية وربما وسط هشاشة النموذج القلق الذي لم يستطع ان يدافع عن نفسه، والذي انعكس في مراحل لاحقة على ظاهرة الدولة كسياق اجتماعي وسياسي وثقافي، مثلما انعكس على بروز ظواهر غير مسيطر عليها من الصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية كما حدث في دول محسوبة على دول الموالاة والتي تتماهى مع الدعم الغربي الامريكي مثل تونس ومصر، فضلا عن ان هذه الصراعات المستحدثة اسهمت في اعادة النظر للعديد من المحاور الصراعية للقوى الاجتماعية والسياسية والتي تخندقت خارج الايديولوجيات، أي اللجوء الى خنادق اجتماعية ومدنية كحركات الشباب في مصر خلال احداث 25/يناير/2011 والتي قد تقود الى الى تشكيل تنظيمات مسلحة موجهة تؤمن بالعنف المسلح والارهاب السياسي وكراهية الاخر وثقافاته واتجاهاته ...

الصفحات