أنت هنا

قراءة كتاب اشكالات الدولة الوطنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اشكالات الدولة الوطنية

اشكالات الدولة الوطنية

يظل الحديث عن موضوعة الدولة الوطنية من اكثر الاحاديث اثارة للجدل واستدعاء للاسئلة، لان هذه الدولة لم تعد قرينة بحراك الجماعات التقليدية المهيمنة ومظاهر نشوئها التاريخية الملتبسة، بقدر ماأضحت قرينة بحراك سسيوسياسي اوسع، وبسيرورات تحمل معها مشروعها في التأصيل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
ان التحولات العالمية السريعة اكدت الحاجة الى ضرورة استيعاب التغيير من خلال وجود الاطر والمؤسسات، فضلا عن ضرورة العمل على توفير كل الامكانات والقدرات المادية والنظرية خاصة في مجال الخدمات المدنية والتعليمية للتعاطي مع واقعية هذا التغيير، ليس في اطار الانسجام او الاندماج مع مرحلة مابعد الحرب البادرة حسب وانهيار نموذج العلاقات الصراعية التقليدية المحكومة بفعل تجاذباتها، وانما للتوافر على تحولات انسانية ضامنة للقوى الجديدة لمواجهة تحديات مابعد تلك المرحلة وتحديد طبيعة حاجات تلك القوى التي يمكن ان تقود التحول، لان فقدان هذه الضمانة وعدم التوافر على معادلاتها الفاعلة سيسقط عملية التحول السياسي في الفوضى التي تقود الى الفوضى!! ولعل ما حدث في العراق بعد انهيار نموذج الدولة الشمولية المنافية بشروطها الامبراطورية لطبائع العصر الجديد في مركزياته المتعددة ومنظوره للدولة والقوة والهيمنة والسوق الاقتصادي، اذ اسهم عدم حساب القوى الفاعلة للمعارضة السياسية طبيعة قوتها، اضعاف قدرتها على الاستجابة للتحديات على مستوى التعاطي مع القوى السرية التي تحكم الشارع والمخيلة الشعبية والسياسية والدينية وعلى مستوى ايجاد (سكيج) محدد للدولة الجديدة وطبيعة مكوناتها وقواها وشروط بنائها واحتوائها للمكونات المجتمعية.
 
النظر الى مفهوم انتاج الدولة كظاهرة حقوقية وتنظيمية، هو الاساس في انتاج روح السيطرة على معطيات الواقع وقواه، واستحقاقات الفكر السياسي والاقتصادي والحقوقي والاداري وضبط موجهاته، اذ لا حراك فكري منهجي دون اساس عملياتي وبرامجي يضمن ايجاد مسارات حقيقية ونافذة له وامكانات دافعة وتنميات اجتماعية وسياسية وبشرية وثقافية تكفل عناصر ادامته. وهذا بطبيعة الحال يرتبط ايضا بانتاج اطار الدولة كمنظومة للحكم وكمؤسسة وبرنامج ومصادر للقوة المادية الدافعة، وكذلك كاطار يسهم في احتضان تفاعلي للقوى الاجتماعية والسياسية والجماعات الدينية والاثنية، خاصة اذا ادركنا ان العالم القديم قد انهارت كل ثقافاته ومفهوماته وانماطه شئنا أم أبينا، وان الرهان على نمطها المركزي يعني الركض خارج التاريخ، مثلما يعني النكوص الى استيهامات الماضي التاريخي، والذي يعني النزوع الى انتاج اشكال تعويضية للعنف الثقافي والايديولوجي والعنف المسلح باعتبار ان هذا العنف هو المصد الاخير في دفاعها عن شكل وجودها الغارق في الماضي وانماط ثقافاته المكرسة لفعل القوة الغاشمة التي يحكمها المركز القديم..
 
ان ادراك ما يمكن ان يتركه تجاهل هذه المظاهر من تداعيات خطيرة ومعقدة على الكثير من مفاهيم الوجود في بيئات المجتمعات والثقافات وكل الاتجاهات الفكرية، يمثل بداية الخوف والرعب من آثار الصدمة الحضارية التي بدأت تطرح مشروعها المفارق على مستوى الحكم، وعلى مستوى النموذج والاندماج مع مايسمى بالمجتمع الدولي، فضلا عن تمثلها لمنظومة من الافكار والتصورات والاتجاهات الجديدة، وذلك من خلال بروز صراعات مفارقة، وازمات اقتصادية معقدة خاضعة لشروط مفارقة ايضا، مقابل فشل نموذج الدولة التقليدية ومؤسساتها في ايجاد تقعيدات نظرية واجرائية حول التعاطي مع معطيات مفاهيم العالم الجديد واهمية تمثل شروطه في التفاعل مع المنظورات الضرورية واللازمة لاهمية الوقوف عند الحقائق الجديدة، على مستوى بنية السلطة، وادارة الحكم، واشاعة القانون والفصل بين السلطات، وبناء المؤسسات، وتكريس اطر واضحة للتنمية البشرية، فضلا عن اشاعة ماتتطلبه من قيم للتبادل المعرفي ونظم الاتصالات واشكال الثقافة المعلوماتية والرقمية في اطار اتجاهات العولمة والخصصة واتساع منظومات التعليم والافكار والبرامج واسعة التخصص في مجالات العلوم والمعارف وعموم برامج الميديا وانعكاساتها على واقع وحياة المجتمعات والمنظومات المؤثرة في بنياتها العميقة والظاهرة بدءا من منظومات المعيش والرفاهية والتمتع بمنجزات الحضارة العالمية واهمية الدفاع عن قيم السلم الاجتماعي العالمي وتوازن المصالح الدولية مرورا باشاعة المفاهيم التي ترتبط بقيم واستحقاقات تفرضها انسانوية الثقافة وعلميتها وموضوعيتها، تلك التي ينبغي ان تتطور وتتحايث مع التطور العلمي والمعرفي الواسع والمتلاحق، وبالشكل الذي يسمح بايجاد بيئات صالحة لتقبل تداعيات مايحدث من مشكلات وصراعات مع ازمات قابلة للحدوث في المجتمعات التقليدية المحكومة بانظمة توتاليتارية وثيوقراطية والتي فقدت الكثير من قدرتها على مواجهة التحديات الحضارية وازمات انجاز المشاريع الثقافية والمادية والسياسية المفتوحة على افاق التنمية البشرية ببرامجها ومشاريعها واستحقاقاتها، خاصة وان الحاجة الى تحديث بنية المجتمعات تظل قرينة باستعداد مكوناتها للتفاعل والمشاركة، والاندماج في مشروع الدولة، بوصفها الجهة الحامية للجماعات، فضلا عن انها المصدر الاساسي للقبول بالتنوع وترصين دعائم العدالة والمساواة، بما فيها نشر قيم ومفاهيم الحرية والديمقراطية وتوسيع اطار الدولة المدنية وتنمية ثقافات الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية وصولا الى الحديث عن التعاطي مع الاشكال الجديدة للبنيات الثقافية ومظاهرها وتأسيساتها، بما فيها اشكال الثقافات التنويرية والليبرالية الجديدة، والدعوة تحت شرعنة القانون لانشاء الاحزاب التي تبني برامجها وتصوراتها، على اساس انها افق للحريات والحقوق، والاشكال المتقدمة لاشكال التعبير عن انماط الثقافات المدنية، والتي تمثل من زاوية اخرى نموذجا سيروريا للثقافة الاكثر حيوية واشباعا والاكثر تصديا لثقافات التطرف والعنف والقهر الاجتماعي، ونموذج للصورة الاخلاقية لثقافة الانقاذ وثقافة التطهير وثقافة بناء الدولة الحديثة وبناء المجتمع المدني ومؤسساته، أي انها نموذج للشكل الجامع المانع لفلسفات الحرية والجمال والاشباع والساعية باتجاه صناعة ثقافوية الانسان الكوني وتخليصه من ازمات العطالة الحضارية و انواع الحروب الكبيرة و الصغيرة.
 
ولاشك ان هذه الاتجاهات وتمظهراتها على مستوى الدول والمجتمعات لاتحدث في فراغ ولاتحدث بعيدا عن مؤثرات العقل المعرفي ومناهجه المتعددة، فلاشيء( يشحذ الفكر ويعمق الحنين الى الوجود الاصيل كالحوار مع المناهج الكبرى التي تصنع الحضارات الكبرى وتدمرها ،وفي هذا الوقت بالذات الذي يكاد فيه الوعي العربي يفتقد الكثير من اسس منطلقاته النهضوية ويفضل بعضه الانهزام في ساحات مختلفة وراء المنهجيات الغيبية والتخلفية) 4
 
ومن هنا نجد ان انبثاق مفاهيم جديدة في اطار حراك العقل السياسي وحراك المفاهيم المنتجة له، وفي اطار صناعة الدولة الحاضنة المؤسسية لفعاليته لايتم دون تنمية اشكال الثقافات وصياغة علاقاتها والتوافر على الامكانات العملياتية والمادية بما فيها البرامج التخصصية والمشاريع الانتاجية ومراكز البحوث الفاعلة ونظم الاحصاءات والمعلومات وانتعاش برامج التعليم العالي والتخصصي، وتطوير مفهوم الاكاديمية كمفهوم مؤسسي وعلمي يتجاوز مفهوم المدرسة التقليدية التي كثيرا ما تشيئت به هذه المؤسسة طوال عقود، والذي ادى الى عزلها عن واقع التنميات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى عن فاعليات الحراك السياسي وعن التمكين من انتاج القوة المعرفية التي تعزز فاعلية المؤسسة والدولة، واليات تحول السلطة من انماطها التقليدية ومن خضوعها للضواغط الخارجية الى مديات يمكن ان تستوعب الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي وحيثيات ما يحوطها من تحديات لعالم متغاير ومتشابك..

الصفحات