يظل الحديث عن موضوعة الدولة الوطنية من اكثر الاحاديث اثارة للجدل واستدعاء للاسئلة، لان هذه الدولة لم تعد قرينة بحراك الجماعات التقليدية المهيمنة ومظاهر نشوئها التاريخية الملتبسة، بقدر ماأضحت قرينة بحراك سسيوسياسي اوسع، وبسيرورات تحمل معها مشروعها في التأصيل
أنت هنا
قراءة كتاب اشكالات الدولة الوطنية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
ولاشك ان تلمس منتجات العقل والتعاطي مع المشكلات المعرفية والفلسفية بوعي ما تثيره من اسئلة، من شأنه ان يناقض الكثير من مظاهر التاريخ /تاريخ السرديات الكبرى التي هيمنت على الكثير من معطيات تاريخ الحداثة الاوربية، وان يجعل من فكرة التغيير الاجتماعي والسياسي متحققا عبر ( منهج استقراء وتحليل وتركيب ،وكشف عن بنيات التغيير التاريخي عبر التغير الاجتماعي المتحقق دائما ،لا عبر رموز علمية او فلسفية او دينية او فنية- أي ثقافية بصورة عامة تلك التي اصبحت انعكاسا ايديولوجيا في الجدل الفكري)5
لكن هذه الاتجاهات وضعت نفسها في سياق من الحتمية الذي اعطى للفكر الغربي في مرحلته (الكانتية) نسبة الى الفيلسوف عمانوئيل كانت، نوعا من التجاوز على كل تاريخ المثالية التي سبقت مرحلة (نقد العقل المحض) اذ حاولت عبر البحث عن جوهر المعرفة ان تؤسس للشكل والوظيفة الفلسفية لتكون فعالية نقدية ،وكذلك في مراحل لاحقة وضعت العلم والفلسفة ذاتهما امام الكثير من المشكلات المعرفية، وطبعا فان تاريخ المشكلة المعرفية في العقل الغربي والشرقي على حد سواء ترتبط بتاريخ سرديات الميتافيزيقا وماكرسته من حقائق مطلقة او ربما اوهام مطلقة، وهذ ما يجعل البحث عن حلول لازمة هذا التاريخ لاتبدأ فقط من الطرد المنهجي لسرديات الفكر المثالي في اطاره السياسي والاجتماعي، وانما تبدأ من حركية العلم وبالتالي حركية المعارف بكل ما تؤسسه من نظريات وما تثيره من افكار وما تدعو اليه من احكام ومعايير واتجاهات تنطلق اساسا من وعي المناهج والدعوة الى اعادة انتاج الكثير من الثنائيات الفلسفية والمفاهيمية في سياق هذا التغاير، لان هذا التغاير لايعني التخلص من ازمة الفلسفات الوثوقية حسب، وانما يسهم في تحرير العقل والمجتمع والنظام الاجتماعي من مهيمنات الاستبداد، استبداد الدولة الغاشمة، واستبداد الاليات الحاكمة والافكار الحاكمة، ومهيمنات الدرس القديم في صورته الفلسفية والدينية والاجتماعية...
لقد فرض العقل الغربي السياسي عبر عديد من المعطيات شكلا اخر ل(دعاية النموذج) ولمفهوم معقد من الهيمنة الثقافية المقرونة بهيمنة التقنية، والهيمنة الثقافوية لمشروع الحداثة(حداثة الدولة وحداثة القوة والاقتصاد الحر وشهوة الليبرالية) واصبح العلم التجريبي التقنوي مجالا لانتاج المزيد من الافكار النقدية لمجالات واسعة، لامست اشكالات النموذج في فكرة الدولة وفكرة الحضارة وفكرة الانسان وفكرة العلاقات والقيم الانتاجية ودور هذه العلاقات في صناعة اقنعة الوعي الانساني، والتي تطورت فيما بعد عند نتشه لتكون شراهة نقدية متعالية تؤسس مشروعها على اساس ادخال مفهومي المعنى والقيمة الى الفلسفة كما يقول جيل ديلوز، اذ يسعى نيشه الى ربط كل فعل معرفي بالقوة وارادة القوة على اساس (ان مفهوم القوة لدى نيتشه هو اذا مفهوم قوة تتعلق بقوة اخرى ، وبهذا المظهر تسمى القوة ارادة ،ان ارادة /ارادة القوة هي عنصر القوة التفاضلي ، وينتج من ذلك تصور جديد لفلسفة الارادة ،ذلك ان الارادة لاتمارس بصورة غامضة على عضلات او على اعصاب واقل ايضا على مادة بوجه عام لكنها تمارس بالضرورة على ارادة اخرى)6
ان نيشه في هذا الاطار ينحاز الى فكرة القوة باعتبارها الجوهر العميق والتعالي والتفوق، وهذه القوة هي مكمن الهيمنة والسيطرة على الضعف والخواء ونبذ التعارضات والتسويات، اذ اضحى في هذا الاطار فيلسوف نقدي، وهذه الصفة جعلته طاردا لكل ما هو خارج هذا المعنى وشروطه، اذ ان نيتشة ورغم انه لايملك الكثير من الجدارة العلمية او الميل الى العلم بالمعنى الاجرائي للعلم ومفاهيمه التجريدية الاّ ان ( ما يفصله عن العلم هو اتجاه وطريقة التفكير ،حيث ان نتشه سواء كان مخطئا او محقا يعتقد ان العلم في معالجته للكمية يتجه دائما الى التسوية بين الكميات والتعويض عن حالات اللامساواة)7
نقدية نيتشه تجعله رافضا أي فكر يقع خارج القوة وخارج فعل ارادة القوة التي تمهد صناعة الاستعدادات الفاعلة لها، فهو اذ يقول ان العلم يفتقد نظرية القوة الحقيقية ويفسدها، فانه يؤكد ان توازن العالم غير وقواه غير ممكن 8 وان فعل القوة هو التأكيد على فعل الارادة والصيرورة واسنادهما لانهما يظلان مصدرا للسيطرة و لتأليف القوى التي تواجه العدم وانهيار الذات وحراك القوى الثانوية..