أنت هنا

قراءة كتاب اشكالات الدولة الوطنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اشكالات الدولة الوطنية

اشكالات الدولة الوطنية

يظل الحديث عن موضوعة الدولة الوطنية من اكثر الاحاديث اثارة للجدل واستدعاء للاسئلة، لان هذه الدولة لم تعد قرينة بحراك الجماعات التقليدية المهيمنة ومظاهر نشوئها التاريخية الملتبسة، بقدر ماأضحت قرينة بحراك سسيوسياسي اوسع، وبسيرورات تحمل معها مشروعها في التأصيل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
لقد وضع كتاب هنتغتون تصورا اشكاليا ينطلق من مقياس المفهوم الامريكي للديمقراطية وقيمها في تحديد السياق الحاضن لموجة الديمقراطية السياسية المثيرة للجدل وطبيعة تاريخيتها التي تواجه ازمات وصراعات وحروب لم تكن مألوفة، فاذا كان انهيار الديكتاتوريات في البرتغال واسبانيا عام 1974 هو المنطلق الذي اسهم في تخليق صدمة مبكرة داخل الفضاء الاوربي الغربي المعروف بمرجعياته الليبرالية السياسية وانماط الاقتصاد الرأسمالي باسواقه ونظامه المالي المتحرر، فانه بالمقابل اسهم ايضا في مواجهة صعود المدّ اليساري الماركسي السياسي وفوز العديد من الاحزاب الماركسية في ادارة الحكم في اوربا وفي امريكا اللاتينية وحتى في اسيا وبعض الدول العربية ذات القاعدة الاقتصادية الهشة. وهذا مايجعل اعادة قراءة الكثير من الملفات الصراعية المعاصرة أمرا يفترض معرفة(مالذي جرى؟) في الغرب الديمقراطي، للكشف عن التداعيات المرعبة التي لازمت التحولات السياسية العاصفة التي ادت في مراحل لاحقة الى انهيار احد ابرز طرفي الصراع العالمي، وانهيار منظومته السياسية والعسكرية والامنية والايديولوجية وحتى الطوبوغرافية، وظهور اشباح لاعداء غامضين، هم جزء من لعبة(صناعة العدو)في العقل الامني الامريكي الذي فقد سيطرته على هذا العدو الصغير ليتحول في سياق تاريخي وصراعي الى عدو خطير، مؤدلج ومسلح وانتحاري.
 
القراءة الاولى التي وضعها هنتغتون ذاته حول (صراع الحضارات ) وضعت مفهوم التحولات امام صيغ اشكالية جديدة اكثر تعقيدا، تفترض وعيا قصديا يفلسف حراك الظواهر السياسية ويتعامل معها في ضوء وجود اهتمام ووعي امريكيين بها اولا ، وفي سياق ايجاد قوى عالمية جديدة لمواجهة تداعيات مايقترن بالتحول وصراعته ثانيا، تلك التي بدأت تضع رؤيتها للديمقراطية كنظام سياسي واقتصادي قدري، وبالاتجاه الذي يصطنع دولا ونظما اجتماعية وسياسية، تمارس وجودها في خدمة الغيتو المؤيد للنظام الدولي الجديد، وبما يجعله اكثر حصانة في مواجهة(الاعداء) كايديولوجيات ونظم اقتصادية وحركات تحرر وانماط ثورية واصولية، يمكن ان تهدد الكثير من المصالح الغربية، فضلا عن تهديدها المناطق الغنية بموادها الاولية او في اطار الجغرافيا السياسية ثالثا، وربما كانت هذه المواجهات هي الاستشراف بعيد المدى الذي حدست به (الادارة الامريكية) كمقابل لارادة القوة والضغط واشاعة فكرة رعب اخر للحروب الوقائية ضد من اسمتهم(الدول المارقة) الخارجة عن قواعد لعبتها، والذي قد يمثل التهديد الخفي وبشكل معين للحديث عن اشاعات الحرب الكونية التي لن تحدث ابدا، خاصة مع امتلاك العديد من الدول المتوسطة اسلحة تدمير شامل، بما فيه السلاح النووي.
 
الطريق الذي قاد الى نهاية الحرب الباردة، لم يعد سالكا، ولم طريقا للكشف عن حرير اخر، لان هذا الطريق الايديولوجي والامني، اصبح طريقا محفوفا بفوبيا الاعداء الاصوليين الاكثر كراهية والاكثر عنفا، الاعداء المسلحين بخرائط الحروب القديمة التي تعلموا دروسها وفتاواها وطرقها واسرارها في المدارس السياسية والفقهية والامنية التي كانت تدعمها المخابرات الامريكية وبعض دول المال السياسي، وهذا مايجعل اعادة انتاج المضادت الايديولوجية والسياسية والثقافية التي اسهمت في تأكل الجدار الايديولوجي وانهيار المنظومة الاشتراكية ونظام الاتحاد السوفيتي (سابقا) غير مجدية في الحرب مابعد ايلول 2001، اذ ان هذه المرحلة تقف عند اعتاب عالم صراعي اكثر تعقيدا، واكثر اغترابا في منظوراته للتحولات في السياسة والامن.
 
الفلسفة السياسية التي يرى من خلالها هنتغتون مراحل التحولات السياسية في العالم انطلقت اساسا من وعي فلسفي عميق ترتبط جذوره بمرجعيات الفلسفات العقلانية الموغلة في ذرائعيتها والتي نظرت الى الصراع الدولي على انه صراع مصالح و ارادات كبرى، وان ارادة القوة هي الاكثر ضبطا لمسارات هذا الصراع، والاكثر ايثارا في استنطاق التاريخ الحديث ليكون شاهدا على ان موروث العقلانية هو الذي سينتصر دائما، لانه المسؤول عن انتاج ارادة القوة والشر والحروب والتحولات الاقتصادية الهائلة وبناء الدولة الحداثوية الخاضعة لهذه الارادة، وهو ما يجب ان يدافع عنه الجميع ضمن دفاعهم عن ارادة النظام والهيمنة الايجابية وتعميم النموذج من خلال تعميم قيمه وافكاره، ولعل حديث الموجة الثالثة ذاته هو امتداد لمعطيات الموجات السابقة التي انتهت الى انتكاسات وصراعات وازمات لم تستفد من خبراتها الدول الحديثة، فالموجة الاولى حدثت بين عامي 1828 و1926 والثانية حدثت ما بين عامي 1943 و1946 وقد انتهت هذه الموجات الى فجائع وموجات معاكسة كما تسميها د. هالة مصطفى، اذ تراجعت فيها قيم الديمقراطية ونماذجها، وربما ادّت الى انتاج نظم اكثر ديكتاتورية وميلا للعنف والى المزيد من الحروب والازمات الاقتصادية..
 
لاشك ان الطريق الى هذه الصيرورة الفاضحة، والرغبة في اعادة رسم طريق حرير جديد او ربما طريق هند جديد، رسم لنا هو الاخر خطوطا غير واضحة المعالم لمفاهيم الدولة والحكم، وقادت الى مسارات موحشة وغامضة انتجت الكثير من الاغتراب، على وفق تناقض هذا الاغتراب مع ظهور القوى الجديدة في تمركزاتها العسكرية والثقافية والايديولوجية، والتي تسببت في ايجاد اتجاه اخر مسؤول عن انتاج وحدات اخرى للهيمنة، والاستبداد السياسي، تلك التي انعكست على الكثير من انماط الثقافات والادلجات والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية وحتى السياسية، اذ تحولت ظواهرها فيما بعد الى قواعد للعنف وجماعات للارهاب والتكفير ودول تحارب الطريقة الامريكية ذاتها في منظورها للتماهي مع اشكال محددة للديمقراطية والحرية وفي فرض نموذجها وافكارها على الاخرين، فضلا عن كونها اصبحت القاعدة المادية لصناعة اشكال من الادلجات المضادة التي تشبه الى حد ما اشاعت له الموجة الثالثة المضادة التي تحدث عنها هنتغتون، وتوليد مجالات تعليمية وثقافية وسسيوأمنية لانتاج اجيال جديدة من برامج العنف والارهاب السياسي ...
 
ان مفهوم انتاج القوة وفرض ارادتها واشكالها عن طريق تفكيك الدول الاقل استعدادا للاندماج، او انتاج المجالات المولدة والموجهة، اصبح جوهر النمط الجديد لمرحلة ما بعد الامبريالية التقليدية، اذ ان الامبريالية كشكل متقدم للرأسمالية ظلت محكومة بعقد واطر صراعية تقوم على مجموعة من الثنائيات الحادة على مستوى الواقع الصراعي وعلى مستوى تداول والتعاطي مع المفاهيم السياسية والامنية والايديولوجية، بما فيها مفاهيم الحداثة والدولة، وان انهيار قواعد لعبتها القديمة قد وضع الصراع ذاته امام مجموعة غرائبية وصادمة من التعقيدات والتجاذبات، وحتى امام فراغ انطولوجي فقدت فيها الكثير من القوى التقليدية سياقها ومصادر قوتها، وبالتالي التورط في انتاج صراعات ثانوية او نكوصات معقدة اعادت العديد من الدول العالمثالثية والجماعات المؤدلجة والتيارات السياسية الى الانغمار في التاريخ السري بحثا عن هويات فرعية ظلت تتسم على الدوام بالغموض والتجوهر حول رموز ماضوية /سلفية او اتجاهات ذات بعد عنفي لم يشأ التسليم بوقائع مابعد الحرب الباردة، والانجرار الى غواية تعويضية، استيهامية مع القطبية الواحدة التي حاول ان يفرضها العقل الامريكي بشكل اخر على الدول الاخرى وعلى مظاهر الصراع الدولي. وطبعا فان هذا ترك آثارا مدمرة وخطيرة على الخارطة السياسية في العالم ،واسهم في تخليق بؤر صراعية تفككت في ضوء تداعياتها دول شمولية، ودول اخرى ذات تعدديات عرقية واثنية في اوربا ذاتها وفي اسيا وفي افريقيا..

الصفحات